تعدُّ مدينة سلا من بين أقدم المدن المغربية، ولقد وهبتها العناية الإلهية موقعاُ استراتيجياً فريداً، وإذا كان المؤرخ «هيرودوت» قد قال : «إن مصر هبة النيل»، فإنه يمكننا القول اليوم : «إن سلا والرباط هبة أبي رقراق»، فعلى ضفتيه نشأت حضارات عريقة منذ آلاف السنين، تمثلت أبرزها فـي ثلاث مدن تاريخية هي : شالة، وسلا، ورباط الفتح. وتقع مدي...
قراءة الكل
تعدُّ مدينة سلا من بين أقدم المدن المغربية، ولقد وهبتها العناية الإلهية موقعاُ استراتيجياً فريداً، وإذا كان المؤرخ «هيرودوت» قد قال : «إن مصر هبة النيل»، فإنه يمكننا القول اليوم : «إن سلا والرباط هبة أبي رقراق»، فعلى ضفتيه نشأت حضارات عريقة منذ آلاف السنين، تمثلت أبرزها فـي ثلاث مدن تاريخية هي : شالة، وسلا، ورباط الفتح. وتقع مدينة سلا بعراقتها المتجددة، على ضفة نهر أبي رقراق اليمنى، ويقابلها على الضفة اليسرى قصبة الأوداية شامخة بأسوارها وأبراجها من جهة، ومسجد حسان بمنارته الشهيرة العالية من جهة أخرى، وعلى امتدادهما تطل قصبة شالة، بعبق تاريخها القديم، مكونة منظراً رائعاً قلما تجود الطبيعة بمثله.وقد اكتسبت العدوتان، الرباط وسلا أهمية خاصة منذ القرن السادس الهجري/الثالث عشر الميلادي، كميناء من الموانئ الرئيسة فـي المغرب الأقصى، وشكلت عدوتا الرباط وسلا معاً منطقة جغرافية واحدة على ضفتي نهر أبي رقراق، حيث استمدت هذه المنطقة التي تطل على المحيط الأطلسي، من ذلك وحدتها المكانية، وطابع طقسها، مما شكل موقعاً استراتيجياً كانت له أهميته فـي قيام مدينة سلا بدور اقتصادي مهم عبر تاريخها باعتبارها نافذة للمغرب على المحيط الأطلسي، كما تجلت شهرة مدينة سلا منذ القرن الثاني عشر الميلادي، فـي تميزها باحتضان رجال التصوف والصلاح والعلم، حتى أضحت موطناً للفقهاء وقبلة للسادات والأولياء.ولكل هذه الاعتبارات، نخصص هذا العدد من سلسلة «روائع الآثار المغربية للأطفال والناشئين» لإلقاء الضوء على روائع الآثار فـي مدينة سلا، وذلك بهدف المساهمة فـي نشر الوعي الأثري بتلك الروائع والكنوز الأثرية التي خلفها الأجداد فـي مدينة سلا، آملين فـي تركيز جميع الجهود لوضع مدينة سلا العتيقة على قائمة التراث العالمي، لما تحضنه من تراث استثنائي متميز، من المنشآت الخيرية الأثرية، والبيمارستانات، والسقايات العمومية، والفنادق، والمدارس، بالإضافة إلى العمارة الحربية من الأسوار، والأبراج، والأبواب، والعمارة الدينية من المساجد والجوامع، والأضرحة، والزوايا، وغيرها من المعالم الأثرية التي انتشرت فـي مدينة سلا عبر عصورها التاريخية المتعاقبة. وإذ يسعدني أن أقدم هذا الكتاب إلى القارئ الكريم، متمنياً له أن يقضي لحظات ممتعة مع روائع الآثار فـي مدينة سلا : دُرة أبي رقراق، أهدي كلمات الشكر والتقدير إلى الأستاذ الدكتور مصطفى الجوهري، والأستاذ عبد الرحمان الكرُومبي، وإلى جمعية أبي رقراق بسلا، وإلى الخزانة العلمية الصبيحية وإلى كل من مدَّ لي يد العون لإخراج هذا العمل بصورة تليق بالتراث المغربي.والله أسأل أن يوفقنا لما فيه الخير ونشر الوعي الأثري للأجيال القادمة بعلامات الفخار والازدهار فـي تراثه الحضاري العريق.وعلى الله قصد السبيل.