علم الدراية هو علم من علوم الحديث وعلى وجه الدقة هو العلم بأحوال الحديث متناً أو سنداً أو تحمّلاً لتعرف الحجة منه شرعاً أو عقلاً فيدخل بقيد (الأحوال) العوارف الذاتية من الصحة والضعف وما شابه ذلك، كما يخرج فهم الحديث نفسه، فإن راجع إلى مظانه من الفقه والعقيدة ونحوهما، ودخل في الحديث كل ما روي عن المعصوم مسنداً ومرسلاً ومضمراً، وع...
قراءة الكل
علم الدراية هو علم من علوم الحديث وعلى وجه الدقة هو العلم بأحوال الحديث متناً أو سنداً أو تحمّلاً لتعرف الحجة منه شرعاً أو عقلاً فيدخل بقيد (الأحوال) العوارف الذاتية من الصحة والضعف وما شابه ذلك، كما يخرج فهم الحديث نفسه، فإن راجع إلى مظانه من الفقه والعقيدة ونحوهما، ودخل في الحديث كل ما روي عن المعصوم مسنداً ومرسلاً ومضمراً، وعليه فالموضوع هو الحديث، وهو المتن سواء كان مسنداً أم مرسلاً. والقول بأن الموضوع هو المتن والسند، مردود بأن لا معنى للسند وحده بدون المتن؛ بل هو تابع للمتن، كما أن الفرض هو الحجة أي ما يحتج به مما لا اعتبار له.وأما سبب نشوء هذا العلم، فإنه في عصر الرسالة كانت الرواية الشفهية غالباً هي الأساس في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد قرن من الزمن تقريباً كانت الرواية المدوّنة كذلك مع التأكيد في الرواية ثبوتين السند على أسس مدروسة.ومن هنا كثرت الرحلة إلى مختلف البلاد لطلب العلم شفاهاً ما أمكن، وإذا تعذّرت أو تعسّرت عوّض عنها بالإجازة، وبتطور الزمن بفعل وعوامل كثيرة أصبحت كتب المحدثين هي المصدر الأساس لتلقي الحديث من دون دراسة على شيوخ الفنّ.وقد عمّ البلاد في هذا الزمان وشمل كثير من أهل العقل وتسامحوا في النقل جداً، فاخذوا المطبوعات واعتبروها من المصادر والمراجع في مختلف العلوم التاريخية وخاصة الحديث من دون تمحيص وتمييز لصحيحها بمقاس علمي مقبول. وهذا الكتاب محاولة في دراسة هذا العلم "علم الدراية" الذي يعتبر النافذة الوحيدة للتعرف على تراث النبي صلى الله عليه وسلم الذي اهتم به الصحابة الأخيار ومن جاء بعدهم جيلاً بعد جيل من العلماء الأبرار، وخاصة أهل بيت النبي الأطهار الذين جسّدوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في حياتهم.والكتاب هو بين يدي المهتمين بدراسة هذا الجانب من التراث الذي يعتبر المصدر الثاني للفكر الإسلامي بعد القرآن الكريم. حيث أن الباحث في الحديث الشريف يفتقر إلى علوم ثلاثة أولها علم الدراية الذي هو مدار البحث في هذا الكتاب وهو علم مصطلح الحديث ثم علم الرجال (تراجم الرواة)، وعلم الإسناد (توثيق المصادر)، وهي علوم ثلاثة إلا أنها باعتبار المتقدمين علم واحد، فكل واحد منها يتكفل جانباً خاصاً مرتبطاً بالحديث الشريف.