ما إن أوشك عام 1973 على الإنتهاء حتى فوجئ العالم بأخبار مفادها أن سعر النفط سيزداد بنسبة أربعمائة بالمئة عما كان عليه قبل أربعة أشهر فقط؛ لقد أعلنت هذه الأنباء المذهلة من طهران، حيث كانت منظمة الأقطار المصدرة للنفط تعقد إجتماعاً على مستوى الوزراء برعاية شاه إيران، والذي دافع بشدّة عن قرار التسعير هذا، وهو أمر مهم إذ كان الشاه آن...
قراءة الكل
ما إن أوشك عام 1973 على الإنتهاء حتى فوجئ العالم بأخبار مفادها أن سعر النفط سيزداد بنسبة أربعمائة بالمئة عما كان عليه قبل أربعة أشهر فقط؛ لقد أعلنت هذه الأنباء المذهلة من طهران، حيث كانت منظمة الأقطار المصدرة للنفط تعقد إجتماعاً على مستوى الوزراء برعاية شاه إيران، والذي دافع بشدّة عن قرار التسعير هذا، وهو أمر مهم إذ كان الشاه آنئذ يعتبر من رجال الغرب المقربين، وقبل شهرين فقط من ذلك الإجتماع الحاسم، كان وزراء الأقطار العربية المصدرة للنفط قد اجتمعوا الكويت وقرروا، دعماً لحرب مصر مع إسرائيل، تخفيض إنتاج النفط كوسيلة للضغط السياسي على سياسة أميركا المؤيدة لإسرائيل.إن هذا القرار قد أدى إلى رد فعل مباشر من سوق النفط العالمية، حيث ارتفعت الأسعار كثيراً، كما أدى إلى ردود فعل في الدوائر السياسية الغربية، نظراً لإهتمامها الشديد بسلامة إمدادات تجهيزات النفط، لقد تقرر سعر النفط الجديد في طهران إبّان التوترات الجيورسياسية، إن عهداً من تقلب الأسعار قد بدأ لينهي زمناً طويلاً من النفط الرخيص الثمن.وهكذا بدأ عصر النفط الباهظ الثمن، كما بدأ تقلب السعر، إذ أن النفط قد غدا سلعه سياسية تتأثر بالإوضاع السائدة، لم يكن العالم يسمع إلا نادراً قبل أحداث عام 1973 بمنظمة الأوبك، والتي لم تكن معروفة بأنها تقرر سعر النفط، ويعود ذلك إلى أن صناعة النفط قد سيطرت عليها على مدى عقود من الزمن سبع شركات نفط دولية كبرى تتمتع بإمتيازات إحتكارية في أقطار الشرق الأوسط النفطية، ولا سيما في الخليج حيث توجد معظم إحتياجات النفط في العالم.فبعد إنهيار الإمبراطورية العثمانية في أوائل عشرينيات القرن العشرين، صار نفط الشرق الأوسط يعتبر من غنائم الحرب الموزعة بين حلفاء الحرب العالمية الأولى، أي بريطانيا وفرنسا، وما أن بدأ الضغط الأمريكي السياسي على شكل سياسة الباب المفتوح حتى أخذت شركات النفط الأمريكية بالإنضمام إلى الدولتين المذكورتين.وبالعودة، فإن القرار الخطير الذي اتخذ في طهران في شهر كانون الأول 1973 بزيادة النفط جاء مباغتاً، أن قلة من الناس تمكنت من منهم هذا الموضوع في ذلك الوقت، إن كان الإفتراض آنئذ هو أن منظمة أوبك وحدها هي الملومة عن صدمة السعر، إن عديدين من خارج صناعة النفط اعتبروا المنظمة المذكورة ظاهرة غربية، وأن أسعارها المتصاعدة هي بمثابة النذير للتضخم والإرتباك في الإقتصاد العالمي.إن هذا الإنذار قد مهد المجال لبروز الأوبك بصفتها وسيلة تغيير قوية في الإقتصاد العالمي، وسرعان ما اجتذبت الأوبك أنصار وسائل الإعلام العالمية، إذ أن الجميع أرادوا أن يعرفوا المزيد عن هذه المنظومة "المشؤومة" المنذرة بالسوء حسب تعبيرهم؛ ومن ناحية أخرى، وبعد أحداث عام 1973 كانت هناك توترات داخلية استمرت على مدى خمس سنوات داخل الأوبك.إن إيران مع مجموعة من الصقور، كانت تضغط دائماً من أجل أسعار مرتفعة، ولكنها كانت تواجه معارضة من السعودية التي تدعو للإعتدال، وإلى هذا فإن أوبك، متجاهلة أعضاءها من الحمائم، لم تكن تدرك النتائج التي تترتب على الأسعار الباهظة، تلك الأسعار التي شجعت ببساطة على قيام المستهلكين (لا سيما في أوروبا الغربية واليابان) باللجوء إلى بدائل طاقة...كما أن الأسعار المالية قد أدت إلى إستثمارات واسعة النطاق في النفط خارج الأوبك، والتي أصبحت مناسبة إقتصادياً بالنظر لوجود نظام السعر العالي، ويمكن القول أنه وعلى مدى الخمس والثلاثين السنة الماضية، وعدم قدرة الأوبك على إستقرار الأسعار؛ فإن هذه المنظمة لم تتمكن من تحقيق سبب وجودها عند تأسيسها في بغداد بتاريخ 14 أيلول 1960، حين تقرر بوضوح في قرارها الأول "أن الأعضاء سيدرسون ويضعون نظاماً يضمن إستقرار الأسعار وذلك بتنظيم الإنتاج، مع الأخذ بعين الإعتبار مصالح الدول المنتجة والمستهلكة.إن سياسة الأوبك في التسعير هي التي أدت، وفي نهاية المطاف، إلى تدنٍ كبير في حصتها في تجارة النفط العالمية، كما أدت في النهاية إلى تحول جذري في مزيج الطاقة العالمي، هذا وعلى الرغم من المشاكل التي تواجهها الأوبك بخسارتها لحصة من السوق، وبفشلها في إستقرار السوق، فإن نظرة الجمهور إلى الأوبك ظلت تفيد بأنها "كارتيل نفطي" قوي، وهذه النظرة في جوهرها أسطورة من الأساطير.وفي كتابه هذا يحاول المؤلف أن يفصل بين الأسطورة والواقع، فيصف العملية الداخلية لصنع القرار في الأوبك، من وجهة نظر لرجل "من الداخل" عاش مع واقع الأوبك خلال سنوات حاسمة تاريخياً، إن نظرته إلى الأوبك ولصناعة النفط وللسياسات النفطية تأتي في بحثه هذا متشابكة مع تحليل إقتصادي وتنبؤات وتاريخ وأحداث أجرت وراء الستار، والتي تصنف أحداث رئيسية والناس من ذوي العلاقة، ومن دون إنحياز سياسي أو شخصي.