في هذا العالم العجيب الغريب بلدان كثيرة.. في كل بلاد (كوتشينة) مطلوب تمزيقها.. الصف طويل.. و (كوتشينة) النار تلتهم ذيله بنهم.. تلتهم ولا تشبع فيما رماد فضلاتها تودعه في ظلمات الظلام.في هذا العالم العجيب الغريب وجدتني صغيرا.. أتأمل اللاعبين الكبار.. أجلس حذاهم.. أتابع حركاتهم وسكناتهم.. سرعان ما تعلمت.. عرفت قيمة كل ورقة ودلالاته...
قراءة الكل
في هذا العالم العجيب الغريب بلدان كثيرة.. في كل بلاد (كوتشينة) مطلوب تمزيقها.. الصف طويل.. و (كوتشينة) النار تلتهم ذيله بنهم.. تلتهم ولا تشبع فيما رماد فضلاتها تودعه في ظلمات الظلام.في هذا العالم العجيب الغريب وجدتني صغيرا.. أتأمل اللاعبين الكبار.. أجلس حذاهم.. أتابع حركاتهم وسكناتهم.. سرعان ما تعلمت.. عرفت قيمة كل ورقة ودلالاتها.. أوراق (الكوتشينة) كأوراق العملة.. منها التي تساوي ومنها التي لا تقضي شيئا.. الجامع بينهما أنهما قابلتان للحرق.. المادي والمعنوي.. أتـقـنـت اللعبة جيدا.. أجدتها ثلاثة مع ثلاثة.. إثنين مع اثنين.. واحدا مع واحد.. بل تعلمت كيف ألعبها في الأحلام.. وكيف ألعبها مع ذات نفسي.. لعبت تنويعاتها (اسكمبيل.. اشكبّا.. رومينو.. بصري.. برنجي.. الخ).. اللعبة التي شدّتني لا أعرف اسمها.. لعبة اجعل فيها للورقة ضلفتين بثنيها طوليا بالتساوي.. ومن ثمّ يبدأ اللعب بإيقاف كل الأوراق صفا واحدا.. ورقة خلف ورقة بمسافة تسمح لرأس الخلفية ملامسة ظهر الأمامية إبان السقوط.. ويحل الانهيار.. كل ورقة تلمس التي أمامها حالما يُـلمس خلفها.. تداع طويل يمنحني لوحة رائعة.. لا يرمش لي جفن حتي تـنـكبّ ورقة المقدمة علي وجـهـهـا.أجمع كل الأوراق مجددا.. أوقفها صفا طويلا متعرجا.. قل علي هيئة ثعبان أو حرف لاتيني أو عربي غير منقوط.. وأدفع بإصبعي آخر ورقة لتـنطح التي أمامها.. وكل أمام يقع علي الذي أمامه.. وأتسلي بهذا الانهيار السقطوي.. وأبتسم لانبطاح كل الصف.. وبحذر اقترب من رقم واحد الساقطة عليه كل الأوراق.. أزقـق إصبعي أسفله بين ضلفتيه وأرفع برفق فيرفع التي خلفه ويرتفع الصف رويدا رويدا.. وفي أول مـنـعرج يـنـصرم.ويستمر اللعب كاستمرار الحياة والموت.. كاستمرار الـخَـلق.. وتُـبلي سرائر (الكوتشينة) من تكرار اللعب فأرميها سليمة في القمامة.. أو أمـزّقها أو أحرقها أو أعطيها لأطفال يصغروني فيلعبون بها لعبة الصور والحجر المسطّح.. يفردون ضلفاتها.. يغرسونها في كوم التراب المواجه.. يبتعدون مسافة متفق عليها.. يرمون ناحيتها الحجر زاحفا فيجرف بعضا منها أو كلها.. الفائز من يُـبطّح أوراقا أكثر.. خلاصة أنني لا ألعب بكوتشينة بالية.. أرميها وأشتري غيرها.. أشتري بلدا بمالي أو أسرق بلدا لا فرق.. أو (أتبلطج) لأستحوذ علي بلاد.. المهم أنْ يكون لي بلدي.. أصفّـه وأسقطه.. وورقتي الأمامية أسندها بإصبعي فلا تسقطها الأوراق الخلفية..إصبعي رشيق ألبسه أثمن الخواتم وأكرم الدبل وأملـّـكه أقوي الرقاب والأزرار والبطم.. إصبعي جميل أحبه.. أقدّسه.. هو كل شيء عندي.. يُمكن ورقتي من الوقوف الدائم.. يضغط علي زناد الاستناد فلا تسقط.. إصبعي شامخ به ظفر.. ظفر حاد مشذّب.. أخربش وأهرش به تجاعيد الصور.. الورقة السائرة علي مزاجي والمحلقة في فلكي أصقلها به جيدا.. والمغضوب عليها أقشرها وأمسخها وأكيّفها كما أريد.. ورقة بها تسعة أسدّسها بتقشير ثلاثة أرقام.. الشيخ لا يعجبني أقشّر لحيته وشنبه.. أجعله بنتا أو شابا.. أنا حرّ في (كوتشينتي) حتي ورقة (الجوكر) أطمسها.. أفقدها قيمتها المميّزة.. أضعها في جرابي كي لا يسحبها أي كان.. أخرجها متي أريد.. أخفيها متي ما حلي لي.. وإن وخزت قلبي أو أحسست بتآمرها مزّقتها إربا وأحضرت من سوق الغفلات (جوكرة) نائمة بدلا عنها.. جوكرة فك علوي.. لا تصكك ولا تحكك كتيس في زمن العولمة.. أنا لي ظفري وإصبعي.. عصاي المتمركزة في معصمي.. أصكك و أحكك وأسمل بها.. وأفعل بها أي مآرب تُبهجني.. أضعها في صدغي تجعلني مُـفكرا.. في شنبي تجعلني ناقدا.. في أنفي متقززا.. في فمي طفلا.. في عيني قنّاصا.. في أذني محايدا.. في خدّي مغازلا.. وفي إستي صامتا علي خيري وشرّي.واستمر في اللعب إلي حين يداهم الفالج إصبعي.. فأستعين بعصا تُربط الي كتفي وإن داهم الفالج كتفي أيضا استخدم إصبع رجلي.. بل رجلي كاملة.. أركل بها بلدي.. فأحسّهم سعداء بالركل.. اكثرهم يستلذّون فأتمادي في ركلي لهم.. الفالح من يحقق لذة بلده.. اترك لعبة (الكوتشينة) وأجعلهم كورا.. أركلها صباحا ومساءا.. أنططها بكل جزء فيّ.. هم سعداء وأنا أسعد.. الناس كلها استحالت كورا.. الاقتصاد ازدهر.. ما عدت استورد لهم أحذية وجوارب وقفازات وملابس داخلية وخارجية أو أربطة أعناق.. كيس خيش كاف للكساء.. لا داع لأنْ أربطهم.. كل فرد يربط كيسه من الداخل.. يُسعد في ظلامه الداخلي.. يستلذ باستقبال الركلة التي لا يعرف مصدرها.. تأتيه علي ظهره فيعتبرها تدليكة.. علي رأسه يعتبرها تمسيحة.. علي الكتف تربيتة.. وعلي عظمة الساق مُداعبة.. وعلي الحوض كشفا تناسليا.وعندما يداهم الفالج قدمي.. أركلهم بالذكري.. بالصوت.. بالصدي.. أصرخ فيهم.. أنت مركول الآن علي مؤخرتك فيتقي المكيّس براحته علي مؤخرته ويعوّي.أنا سعيد.. لساني ما زال يلعب.. يفعل ذلك لاعبو كرة القدم كبار السن.. فأرجلهم لا تسعفهم.. ومجهودهم البدني تضاءل.. وموهبتهم عليها العوض.. لا يبقي لهم سوي اللعب بألسنتهم.. يحركون اللاعبين الصغار بصرخاتهم ليصبّوا مجهوداتهم الطازجة في خاناتهم البور.ولا بد ممن ليس منه بد.. فاللسان أيضا يداهمه الفالج.. أسماع الزمن ما عادت تطيقه.. ويظل رديد الصدي مـدة.. ثم يهمد وتبقي الولولات في أكياسها.. الركل توقف.. والصوت توقف.. والصدي توقف.. والحياة هل تستمر داخل كيس ؟.. أول الخارجين من الأكياس يبدأ في ركل الآخرين مقلدا الصوت المنقرض مؤسسا بلادا جديدة للركيل.. وتدوم هذه اللعبة.. ويدوم الحبر في الاندلاق.. والنار في التهام الصفوف.. كعادتها دائما تبدأ بالذيول و القرون وتنتهي بالرؤوس.. وها نحن مذ وعينا نلعب (كوتشينة) واحدة ذات أربع أوسام (ديناري.. كبّي.. اسباتا.. بستون) والنار تلعب بأوسام لا حصر لها.. تغيّر الوجوه المستهدفة.. كوتشينة خالية مؤطرة..ترسم داخلها من تريد.. تُمزّقه متي أرادت.. تحرقه إن حاول التجعد بين اصابعها.. تصنع البيادق وتدكّها.. قوة تستهلك وقودها.ونحن اللاعبين ببعضنا..من يلعب بنا ؟..من يضعنا جميعا في أوراق واحدة ؟..الموت يمزّقـنـا..الميلاد يرتـّـقـنا..المجهول يؤرّقـنا..الكور السابحة تحملنا..تغرق بنا..تفـجّـرنا بعد نعاس عـتـيـم.هذه الوهلة سـألعب لعــبة غير (الكوتشينة)سألعب الشّخ اشبيل (الشطرنج)..هل سأختار القطع البيضاء أم السوداء..؟البيضاء مواطئها سوداءالسوداء مواطئها بيضاءآه يا حـجـر الــزهــرأي جـحيم بـصـقـتـنا فـيه..!!