يتمثل موضوع الدراسة في هذا البحث حول موضوع الزمن ودلالته من خلال نصوص روائية عربية معينة. والفرق في هذه الدراسة يعني تلك المادة المعنوية المجردة التي يتشكل فيها إطار كل حياة وحيّز كل فعل وكل حركة، وبعبارة أدق هو ذاك البعض الذي لا يتجزأ من كل الموجودات وكل وجوه حركتها ومظاهر سلوكها، لذلك دقّ مفهوم الزمن، في كل الفسلفات تقريباً، ع...
قراءة الكل
يتمثل موضوع الدراسة في هذا البحث حول موضوع الزمن ودلالته من خلال نصوص روائية عربية معينة. والفرق في هذه الدراسة يعني تلك المادة المعنوية المجردة التي يتشكل فيها إطار كل حياة وحيّز كل فعل وكل حركة، وبعبارة أدق هو ذاك البعض الذي لا يتجزأ من كل الموجودات وكل وجوه حركتها ومظاهر سلوكها، لذلك دقّ مفهوم الزمن، في كل الفسلفات تقريباً، عن التعريف الشامل الشافي النهائي، ولكن مظاهره رغم ذلك بيّنه حليّة في كل مناحي الحياة وقطاعاتها. وليس له في هذه المظاهر مجرد حضور، بل إنه لفاعل فعله الخفي المباشر أينما وجد. ولا يقتصر الزمن بحقيقته عن الأبداً والخلود الذي بشرت به الأديان، ولا هو حركة توالي الليل والنهار والفصول المنظمة لبعض مظاهر الحياة الإجتماعية والإقتصادية فحسب، فهو يشمل كذلك ميادين كثيرة أخرى من الوجود البشري. هذه الميادين شكلت الهمّ الأساسي في هذه الدراسة ومنها التاريخ، وهو مايأتيه الإنسان يومياً من أفعال ليصنع العالم الذي يطلب. ولا يكفي الإنسان في التاريخ الزمن الطبيعي المعطى، بل لابد من زمن يصنعه بنفسه ويخضع لإرادته حتى يتسع لكل مطالب الذات. وتقابل التاريخ الأسطورة، وهي ضرب من زمن مطلق تنحدر فيه الموجودات من كل القيود المادية الطبيعية ما تشاء من المحتويات والأشكال. ومن الزمن أيضاً، ذكرى الزمن المنصرم نفسها. وهذا النوع هو الذي يسمى عامة بالزمن النفسي. هذه الأنواع هي الزمن، ولكنها ليست كل أنواعه، قد تتفاعل معها من خلال الفرد الذي نمثل أو من خلال الجماعة التي ننتمي إليها. والزمن المعني في الحالة الأولى هو الزمن الشخصي الفردي. أما المقصود في الحالة الثانية فهو الزمن الإجتماعي العام، وهو يتصل بشؤون الجماعة قبل كل شيء. وله مع زمن الأفراد علاقات متينة مضبوطة تكمن فيها سلامته وجدواه، وفي خلافها يكون فساده وقصوره. هذا وإن تحديد الباحث لمعنى الزمن هو من الأهمية بمكان، إلا أن الأهم بالنسبة له هو دلالته، فهي غايته الأولى، لأن هذا المفهوم ما إنفك يتغير ويتطور بحسب ما تفهمه الشعوب منه وما تراه من توظيفات ممكنة له. هذا وقد راعت الدراسة جانباً آخر من الزمن وهو كيفية إدراكه، إلى أي شيء تستند وفي أي المراكز نشأت. مثل ذاك الجزء الأول من هذه الدراسة، أما جزءها الثاني، فهو النصوص الروائية التي تمت على وقعها دراسة مفهوم الزمن ودلالته. وقد قام الباحث بتأهيلها لهذا الغرض بإعتبارما للرواية من وثيق الصلة بالحياة والواقع البشري عامة وبالتالي بالأمن. والروايات المقترحة هي التالية: "حديث عيسى بن هشام" للمويلحي (ظهرت سنة 1898)، "عودة الروح" لمحمود المسعدي (ظهرت سنة 1929)، "حدث أبو هريرة قال... " لنجيب محفوظ (ظهرت سنة 1960)، "عرس الزين" للطبيب صالح (ظهرت سنة 1962). وقد وقع إختيار الروايات من حيث مصدر نشرها، ثم على أساس ظهورها، إبتداء من التجربة الإستعمارية، لم نمثل هذه التجربة في كونها نقطة تحول هامة في مفهوم الزمن عند العرب وفي إنتاجهم الروائي. إلا أن الدراسة لم تقتصر على هذه الأعمال، بل أن الباحث إجتهد مستفيداً من بقية الإنتاج الروائي عند هذا المؤلف أو ذاك، كلما دعته الحاجة لمزيد من النفع والوضوح، مركزاً على مجموعة من المحاور والمستويات، هي على التوالي: 1-البنية، 2-الشخصيات، 3-المواقف، 4-مشكلية الزمن. والغاية إظهار مشكلية الزمن في كل محور من هذه المحاور.