- مكوّنات المجتمع الدولي: إن كان وجود الأفراد يعني وجود عناصر لمجتمع ينمو ليشمل عناصر جديدة؛ كالشركات والأحزاب؛ وليشكل مجتمعاً (وطنياً) تتشعب علاقات مكوناته وتتطور فيه القواعد التي تحكم تلك العلاقات باتجاه تكوين ما نتعارف على تسميته اليوم بالقانون الداخلي لدولة ما، فإن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، حيث شكلت بداية ظهور الدول مجموع...
قراءة الكل
- مكوّنات المجتمع الدولي: إن كان وجود الأفراد يعني وجود عناصر لمجتمع ينمو ليشمل عناصر جديدة؛ كالشركات والأحزاب؛ وليشكل مجتمعاً (وطنياً) تتشعب علاقات مكوناته وتتطور فيه القواعد التي تحكم تلك العلاقات باتجاه تكوين ما نتعارف على تسميته اليوم بالقانون الداخلي لدولة ما، فإن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، حيث شكلت بداية ظهور الدول مجموعة من مكونات مجتمع جديد، هو المجتمع الدولي. إن كل مجتمع يسعى, إلى النمو والتطور، وذلك يتصل حتماً بتعدد عناصر ذلك المجتمع وازدياد حاجاته, ومثلما لم يقتصر المجتمع الداخلي في عناصره على الأفراد, فإن المجتمع الدولي لم يتوقف عند الدول فقط، غير ان الفقه القانوني الدولي لم يتفق حول تلك العناصر، بل توزع بين مذاهب ثلاثة. 1/1 ـ المذهب التقليدي: كان الفقه القانوني الدولي التقليدي يصوّر المجتمع الدولي على أنه مجتمع الدول، ولا شيء غير الدول، وكما أن الأفراد يحتاجون إلى التعاون مع بعضهم بعضاً، فإن الدول، وبحكم تزايد رغباتها ومقتضيات تطورها، تحتاج أيضا إلى التعاون المتبادل بإقامة علاقات ــ ثنائية أو جماعية ــ يقتضي تنظيمها بقواعد قانونية ملزمة. وبذلك يتحدد تعريف القانون الدولي بتنظيمه لعلاقات الدول. وإذا كان هذا الفهم للقانون الدولي مقبولاً في السابق، حيث يتشكل المجتمع الدولي ــ واقعياً ــ من الدول فقط، إلاّ أنه لم يَعد ينسجم، ومنذ أوائل القرن العشرين على الأقل، مع التطورات التي طرأت على المجتمع الدولي، وما دخل عليه من عناصر جديدة، كالاتحادات الإدارية والفنية، والمنظمات الإقليمية والعالمية. إن ذلك بدأ يُشير إلى نوع العلاقات الدولية الجديدة وطبيعتها. 1/2 ـ المذهب الموضوعي: ينكر جانب من الفقه (الدستوري والمدني والدولي) الفرنسي وجود الشخصية المعنوية، فالإنسان وحده ـ عندهم ـ تثبت له الشخصية في نظر القانون. أما الشخص المعنوي، فهو ليس شخصاً حقيقياً، إذ ينقصه الإدراك والإرادة، وهما من مقومات وجود الشخص الحقيقي دون الجماعات من الأشخاص أو الأموال. على أن البعض يعترف بالشخصية للكيان المعنوي عن طريق حيلة أو افتراض قانوني (Théorie de la fiction) فيكون وجود الشخص المعنوي ليس (حقيقياً) بل (مفترضاً) ومن خلق القانون. بينما يذهب آخرون إلى أن للشخص المعنوي وجوداً حقيقياً يستمده ليس من اعتراف القانون له بالشخصية القانونية وحسب، بل من الناحية الواقعية أيضاً، حيث إن للشخص المعنوي تكويناً عضوياً؛ ويتألف من خلايا هم الأفراد المكونون له، والذين يفنون في كيانه كما تفنى أعضاء الجسم في كيان الشخص الطبيعي "ولا يتميزون عنه إلاّ إذا أمكن تمييز الدماغ أو اليد عن الإنسان". لذا، تنسب تصرفات العاملين إلى الشخص المعنوي كما ينسب فعل اليد إلى الإنسان. وينطبق ذلك على جماعة الأفراد أو الدول حيث تنشأ العلاقات فيما بين الأفراد داخل الدولة أو فيما بين الجماعات عبر الحدود. وعلى الرغم من ذلك، فلا يصح إنكار وجود الشخصية المعنوية. وإن مسألة تشبيه العضو في الجسم البشري (كاليد أو اللسان) بالعضو في الشخص المعنوي (كالموظف في الوزارة أو المدير في الشركة) ليست صحيحة، حيث لا يعمل العضو في جسم الإنسان ــ فيما عدا الأحوال المرضية ــ من تلقاء نفسه، بخلاف العضو في الشخص المعنوي. 1/3 ـ المذهب الحديث: يتجه الفقه القانوني الدولي الحديث نحو التوسع في الإشارة إلى مكونات المجتمع الدولي؛ ومن ثم القواعد التي تحكم العلاقات بين تلك المكونات وعدم الانغلاق في الفهم حول عنصر واحد (الدولة أو الفرد) أو حتى تعداد بعض العناصر، ومن ثم توظيف قواعد القانون في حدود ذلك الفهم الضيق. فمقابل التسليم بأن المجتمع الدولي يضم عدداً من الدول، وإن الفرد يشكل نواة المجتمع الوطني وكذلك الدولي، فإن التطور قد ترك، وسيترك دائما، فرصاً لظهور أشكال جديدة (منظمات، حركات تحرر وطني، أوضاع دولية خاصة) قد يتفق الفقه الدولي أو يختلف بشأن اعتبار كلها أو بعضها متمتعاً- من الناحية النظرية- بحقوق متساوية مع العناصر السابقة التي تكون منها المجتمع الدولي. فالدولة، إن كانت هي الشخص (الوحيد) كما يرى أصحاب المذهب التقليدي، أو الشخص (الرئيس) كما يرى آخرون( )، لا بد أن تكون مخاطبة بقواعد القانون الدولي. بالإضافة إلى ظهور أشخاص أخرى يمكن أن تخضع لأحكام هذا القانون، سواء بشكل دائم وكلي؛ كالمنظمات الدولية والفاتيكان، أو في حالات معينة، كنظام الوصاية الدولية، أو حركات التحرر الوطني. 2- تسمية القانون الدولي: كثيراً ما يستعمل الفقه القديم بدل مصطلح(القانون الدولي) تسمية "قانون الشعوب Jus Gentium" . وما يزال بعض الكتاب(الأستاذ جورج سل) يستخدم هذه التسمية أو ما يرادفها، مثل " قانون بين الأمم" عند الأستاذ (محمد طلعت الغنيمي) والأستاذ(جيرهاردفان غلان)، و "قانون عبر الدول" أو "قانون بين الدول" عند الأستاذ (شارل روسو). إلاّ أنه، وعلى الرغم من وجاهة استخدام هذه التسميات؛ فإنها ليست كافية لوصف الحالة المقصودة من ذلك الاستخدام. فكلمة "قانون Law" تعني إلزامية قواعده، كما يُفيد استخدام مصطلح "دولي International" مع تلك الكلمة اهتمام هذا القانون بتنظيم العلاقات بين عناصر المجتمع الدولي بما يتجاوز الحدود الوطنية لجميع الدول وتمييزاً له عن القانون الداخلي لأية دولة. أما اقتران المصطلح المذكور بوصف "العام Public" فلتأكيد نسبته إلى فروع القانون العام ولتمييزه عن القانون الدولي الخاص. لذا؛ فإن الفقه والعمل الدوليين قد استقرا على استعمال تسمية (القانون الدولي العام).