مازال البحث في فن الشعر يشرع الباب واسعا للتساؤل عن حقيقته ومفهومه، فقد أثار الشعر وما زال يثير جدلا بين النقاد والمنظرين، لما يفرضه من زوايا نظر متعددة تتصل بمستواه الجمالي، وقيمة التشكيلية والدلالية، وكيفيات إنتاجه. لذلك تشكل قضية تأصيل مفهوم الشعر مهمة صعبة في حد ذاتها، لما يتضمنه موضوع الشعر نفسه من قيم وقضايا وأبعاد متشعبة ...
قراءة الكل
مازال البحث في فن الشعر يشرع الباب واسعا للتساؤل عن حقيقته ومفهومه، فقد أثار الشعر وما زال يثير جدلا بين النقاد والمنظرين، لما يفرضه من زوايا نظر متعددة تتصل بمستواه الجمالي، وقيمة التشكيلية والدلالية، وكيفيات إنتاجه. لذلك تشكل قضية تأصيل مفهوم الشعر مهمة صعبة في حد ذاتها، لما يتضمنه موضوع الشعر نفسه من قيم وقضايا وأبعاد متشعبة تقتضي تصورات نظرية شاملة وعميقة وصارمة يتم بمقتضاها فهم الشعر وتوضيح مغزاه، والإحاطة بالمستلزمات الحقيقية لإبداعه، ولعل صعوبة هذا المسعى تتأكد للباحث حينما ينظر إلى كثير من الدراسات والأبحاث النقدية التي جعلت الشعر موضوعا لها، وبذلت في فهمه وتقييمه وتأصيل قضاياه جهدا نظريا، فيجد أن أغلبها لا ينجح في الوصول إلى حدود التصور النظري الشامل، ويعجز عن إدراك المفهوم الكلي الذي يرقى إلى استبطان الجوهر النوعي للخطاب الشعري.وتسعي هذه الدراسة تحديدا إلي رصد مفهوم الشعر انطلاقا من موقع فكري محدد هو الفكر النقدي القديم. فقد استطاع هذا الفكر أن ينتج إنجازات على درجة كبيرة من الأهمية ساهمت في تعميق الوعي بقيمة الشعر وخصوصيته، وامتداد هذه المساهمة طوال قرون كثيرة أفرزت خلالها أبحاث فلسفية وبلاغية ونقدية متعددة ونظريات مهمة في نقده وتقويمه.ورغم هذا الكم الوافر من الأبحاث والإنجازات النقدية التي تناولت مفهوم الشعر طوال تلك القرون، فهذا لا يعني أن هذا الموضوع قد تناولته تلك الأبحاث بشكل موحد، بل تميز كل اتجاه بتصوره النظري وطريقة تناوله الخاصة وكيفيته في التقييم والمعالجة، وهذا ما يقتضي تطور هذا الموضوع على وتيرة منسجمة يكمل اللاحق السابق، وذلك أن الأسس المرجعية لكل باحث وناقد قد أثرت بشكل أو بآخر في ما طرحه سواء من الناحية المنهجية المتعلقة بكيفية تناول قضية الشعر، أو من جانب المعلومات التفضيلية. من هنا يظهر بشكل واضح أن موضوع مفهوم الشعر عند النقاد موضوع شاسع وطويل جدا، وأن حديثنا عنه في التراث النقدي بشكل عام سيجعل دراستنا له تفقد الدقة والوضوح المنهجيين المطلوبين ما لم ترتبط تحديدا بإطار فكري وحقبة زمنية لها أهميتها على مستوى الإنتاج الأدبي والنقدي يمكن أن ننفذ من خلالها إلى أدق الموضوعات الجوهرية التي تدخل في صلب مفهوم الشعر في التفكير النقدي القديم.