تبدأ أهداف التربية الإسلامية بإخراج الفرد المسلم هو الإنسان العامل الذي يقوم بـ"العمل الصالح"، لأن العمل الصالح المتقن هو علة الخلق والإيجاد، وهو مادة الابتلاء والاختبار في قاعة الدنيا، والعمل يتكون من حلقات ثلاث: عمل الإدارة، وعمل الفكر، وعمل الأعضاء، أي هو يبدأ -خاطرة- في النفس حيث تتحرك الإرادة نحو حاجة في لحظة معينة تحركاً إ...
قراءة الكل
تبدأ أهداف التربية الإسلامية بإخراج الفرد المسلم هو الإنسان العامل الذي يقوم بـ"العمل الصالح"، لأن العمل الصالح المتقن هو علة الخلق والإيجاد، وهو مادة الابتلاء والاختبار في قاعة الدنيا، والعمل يتكون من حلقات ثلاث: عمل الإدارة، وعمل الفكر، وعمل الأعضاء، أي هو يبدأ -خاطرة- في النفس حيث تتحرك الإرادة نحو حاجة في لحظة معينة تحركاً إيجابياً أو تحركاً سلبياً لإنجاز هدف مهين، ثم يصبح -فكرة- حيث يتلقف العقل الخاطرة ويأخذها بالتحليل والتركيب والتقييم حتى يبلور مخططاً كاملاً لما يجب عمله. ولطرائق التنفيذ وأدواته وزمنه ومكانه وغير ذلك.والإنسان لا يتوقف لحظة من لحظات عمره عن العمل، ولكن يتفاوت نضج حلقات العمل التي تنجز، والذي يقرر فاعلية كل حلقة من حلقات العمل هو درجة الكفاءة التي تصل إليها كل حلقة، وهذه الكفاءة هي ثمرة التربية التي تتعهد هذه الحلقات بالتنمية والرعاية. والنجاح في حلقة الإرادة ثمرته "الإخلاص" في العمل. أما النجاح في حلقة الفكر فثمرته "الصواب" في العمل، وأما النجاح في حلقة الممارسة فثمرته "إحكام العمل".واجتماع هذه الثمرات الثلاث وتكاملها يجعل العمل "فالحاً"، وغلى صفة "الفلاح" هذه كانت الإشارة في مئات المواضع من القرآن الكريم إلى أسلم "المفلحين" و"الذين أفلحوا" ومشتقاتها. والفلاح -كما عرفه الرازي- معناه الظفر بالمطلوب. والمفلح هو الظافر بالمطلوب.وفي الغالب يتقرر مسار العمل نحو الصلاح أو عدم الصلاح من خلال الحلقة الأولى: حلقة الإرادة. فإن كانت إرادة إيجابية صالحة احتوت صفة الصلاح إلى حلقتي الفكر والأعضاء. وإن كانت إرادة سلبية سيئة احتدت صفة السوء إلى الحلقتين المذكورتين. وأما الذي يقرر صلاح الممارسة أو فسادها فهو درجة إحكام السنن والقوانين المشار إليها إحكاماً عقلياً وعملياً.وانطلاقاً من تكوين العمل ونموه توجهت التربية الإسلامية لتربية مواطن حلقات العمل الثلاث: أي تربية النفس والعقل والجسم، والعمل الناتج عن الحلقات الثلاث يتفرع ويتسع ليغطي جميع ميادين الحياة ومظاهرها: أي يتناول المظهر الديني، والمظهر الاجتماعي والمظهر الكوني. وحيث يتم إحكام غايات العمل ووسائله وأدواته يطلق عليه اسم "العمل الصالح-المصلح".ولطن مفهوم "العمل الصالح" لم يبق على اصالته وشموله، وإنما تعرض خلال عصور التعصب المذهبي والجمود والاستبداد السياسي والاضطراب الفكري للتجزئة وتضييق المعنى وتشويه المحتوى حتى حصرته الاستعمالات الجارية في الوعظ والتأليف والتدريس الديني، وأداء الشعائر والصدقات والأخلاق الفردية، ثم كانت محصلة هذا التشويه تشويه صورة الشخصية المسلمة أو تشويه صورة الإنسان الصالح.لذلك لا بد من إعادة النظر في معنى "العمل الصالح" وإعادة استعماله كما ورد في مصادر الإسلام الأساسية المتمثلة في القرآن والسنة وهذا ما استهدفته هذه الدراسة.