لقد تبين للبنانيين أن إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين بتاريخ كانون الأول 2008 هو بحكم المستحيل، فنظام الحكم السوري لم يكن مستعداً إطلاقاً لهذا النوع من العلاقات مع لبنان، والتمثيل السوري في لبنان آنذاك كان أقرب إلى جهاز أمني إستخباراتي مشرعاً منه إلى التمثيل الدبلوماسي بالمعنى المتعارف عليه، ومع إستمرار المجلس الأعلى اللبناني...
قراءة الكل
لقد تبين للبنانيين أن إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين بتاريخ كانون الأول 2008 هو بحكم المستحيل، فنظام الحكم السوري لم يكن مستعداً إطلاقاً لهذا النوع من العلاقات مع لبنان، والتمثيل السوري في لبنان آنذاك كان أقرب إلى جهاز أمني إستخباراتي مشرعاً منه إلى التمثيل الدبلوماسي بالمعنى المتعارف عليه، ومع إستمرار المجلس الأعلى اللبناني - السوري بالعمل.فسوريا مع إنسحاب جيشها من لبنان بتاريخ 26 نيسان 2006، لم تنسحب سياسياً منه، بل أنه بقي في سياسة نظام الحكم السوري ومنطقة نفوذ رئيسية، ورقة تفاوض ومقايضة على نحو ما ألفه النظام السوري في علاقاته الخارجية، وأراد نظام الحكم ذاك أن يبقى لاعباً أساسياً في كل ما يعود إلى الشأن اللبناني، حتى وأن كان على علاقة تحالف مع فريق، دون الفريق الآخر، وعلى خصومه معلنة معه.وطالما أن سوريا لم تعتمد نظاماً شبيهاً بنظام الحكم اللبناني لجهة الفصل بين السلطات وتداول السلطة والحريات العامة، فلن يكون هناك أمل في إقامة علاقات طبيعية، وإذا كان هنالك من لا يزال يتجه في سوريا لإستحضار أوهام التاريخ، فإن ذلك يخضع لنقاش في نظام ديموقراطي حر، في وسائل الإعلام المتاحة وحرية الرأي، لا بغرض المعتقدات بقوة السلام كما حصل، فالعقبة الرئيسية لإقامة علاقات سوية بين البلدين تكمن بصورة رئيسية في الإختلاف الصارخ بين نظام حكم البلدين.فمنذ نشوئهما ككيانيين مستقلين، وحتى أحداث الثورة السورية في آذار 2011 لم يصل لبنان وسوريا إلى علاقة طبيعية، ففي مراحل ما قبل بداية الحروب في لبنان والتدخل السوري عام 1975 كانت العلاقة متوترة بشكل شبه مستمر، لم ينجح معها لبنان، بالرغم من كثافة الإجتماعات واللقاءات واللجان المشتركة المتخصصة، في إرساء تفاهم مع الأنظمة السورية المتعاقبة، لا بل إنه لم يتمكن يوماً من إرضاء سوريا... يراجع داود صايغ كتابه هذا تلك الحقب التي شهد فيها الخط البياني للعلاقات السورية اللبنانية تعرجات صعوداً أكثر منها هبوطاً إلى درجة كانت الذروة تبلغ فيها نهاياتها مع كثرتها.يحاول صايغ تقديم سرد تاريخي لتلك المرحلة ضمن إطارها السياسي المحلي بالإرتباط والتزامن مع العوامل والمستجدات السياسية العربية والدولية، مبيناً تلك الأزمات التي مرّ بها لبنان مع إرساء نظام الوصاية السورية عليه على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وإستمرار ممارسة النفوذ بعد ذلك بشكل عرقل حلول تلك الأزمات أو سهلها تبعاً لمواقف دمشق ومصالحها من التطورات اللبنانية، والمراجعات العربية والدولية معها، بخاصة في إستحقاقات الإنتخابات الرئاسية وتأليف الحكومات.ويختتم صايغ كتابه هذا بالقول بأن الغاية من نشره، والذي له مبرراته على مشارف التغيير السوري، هو الرغبة في التطلع إلى علاقات جديدة بين لبنان وسوريا، مستوحياً كلام الرئيس حافظ الأسد: "ما بين لبنان وسوريا ما صنعه الله" لردّه إلى الحالة الطبيعية التي يجب أن تقوم بين بلدين جارين، بعيداً من المغامرات والأوهام، وحتى عن تعابير غير مألوفة الإستعمال في القانون الدولي والعلاقات الدولية مثل "الأخوة" التي وضعوها عنواناً للمعاهدة بين لبنان وسوريا... فالعلاقة خلال العقود الأخيرة يمكن وصفها بكل شيء ما عدا "الأخوة"…