"فتح الباب بطريقة خجلة يشوبها الفزع في الوقت نفسه، ووجدتا ما أقلقهما أكثر، وجدتاه مستيقظاً، وهو في حالة واضحة من التلبد والخوف.. سألته السيدة الكبيرة: "ماذا بك جاك؟! لماذا لا ترد علينا وتتجاهل نداءنا لك؟" أضافت السيدة الصغيرة: "هل تعمدت ذلك؟ هل هذه أحد مزحاتك الثقيلة لتفسد مفاجآتي لك، مبروك، لقد نجحت وببراعة" قالتها وهي توحي بال...
قراءة الكل
"فتح الباب بطريقة خجلة يشوبها الفزع في الوقت نفسه، ووجدتا ما أقلقهما أكثر، وجدتاه مستيقظاً، وهو في حالة واضحة من التلبد والخوف.. سألته السيدة الكبيرة: "ماذا بك جاك؟! لماذا لا ترد علينا وتتجاهل نداءنا لك؟" أضافت السيدة الصغيرة: "هل تعمدت ذلك؟ هل هذه أحد مزحاتك الثقيلة لتفسد مفاجآتي لك، مبروك، لقد نجحت وببراعة" قالتها وهي توحي بالعتب. أجاب بصوت متردد: "من أنتم؟ ولماذا أنا هنا؟" وكانت المفاجأة الأكثر إرباكاً له أن يتحدث الانجليزية بطريقة تلقائية أيضاً رغم علمه بعدم تمكنه منها.. كان الفزع واضحاً على ملامح السيدة الكبيرة لأنها تعرف بأن ابنها جاك لا يمكن أن يستمر في مزحة الى هذا الحد، وبهذه الملامح الجادة والمفجوعة، فهو في الغالب لا يجيد المزاح وليس من طبعه. أما الأخرى فكانت ملامحها تميل الى الحنق أكثر منها الى الفزع والقلق. قالت: "يكفي، توقف عن مسرحيتك الهزلية هذه، لم أكن أعرف أنك من الممكن أن تقابل أختك بعد غياب طويل بهذه المزحة الثقيلة". كان مشدوهاً ولم يعرف عم تتحدثان؟ لماذا تحدثانني وكأني أحد أفراد العائلة؟!. أخيراً نطق بدفاعية خائفة: "أنا ابراهيم، ولست جاك. ما الذي أتى بي الى هنا؟ وعمّ تتحدثان؟!". قالت السيدة الكبيرة بفزع: "جاك ماذا بك؟ هل فعلاً ما زلت تمزح؟! هل جننت حتى تخيفنا بهذا الهذيان الذي تدعيه؟" أجاب "أنا لا أهرج، أنا ابراهيم أقسم لكما، كما أنني لست حتى أجنبياً. كيف أتيت الى هنا؟! "أنت بين عائلتك التي تقوم الآن بإفزاعها" انطلق صوت ريتا بحدة.. هل الصمت قليلاً، ثم لاحظت السيدة الكبيرة أن ملامحه لم تتغير أو تبادر بإبداء أي فعل يثبت عدم جديته، قائلة بصوت مرعوب: "أنا أمك ماري، وهذه أختك ريتا، ماذا حدث لك؟ّ!" بدأت تتحدث وكأنها استسلمت لفكرة أن ابنها لا يمزح فعلاً. ازداد القلق مع ازدياد الحدّة والأفكار. وزادت ثقتها بانه جاد، قد يكون مصاباً بصدمة ما أفقدته الذاكرة، أو أن هناك خطباً ما قد أصابه، كانت الكثير من الاحتمالات تتساقط على السيدتين الخائفتين.. ذهبت السيدة الكبيرة مسرعة لتجري اتصالاً بالمستشفى ليأتوا وينظرون في حالة جاك الغريبة وما الذي حدث له..؟! ثم عادت فوجدته يحدث أخته ريتا بإصرار عن كيف أنه ابراهيم، وأنه من اليمن، وأنه لم يأت أبداً الى هذا المكان من قبل، وأنه لا يعرفهم، ولا يعرف كيف جاء ووجد نفسه في هذه الغرفة الغريبة والصور الملفقة له على الحائط".ويمضي الروائي في سردياته التي تحمل الكثير من الرمزية والأكثر من المعاني الفلسفية والتصورات الذهنية للنفس الانسانية.. يمضي وبعد بثه لشخصية ابراهيم أو جاك، كما هو الأصل، في تصوير عالم يموج بأحداث تكشف عن الواقع المتخبط الذي يعيشه الانسان.. الانسان في كينونته التي تبحث عن المطلق في محاولة يائسة تستنزفه ووسوسة توهمه بأنه المطلق.. وتنتهي المشاهد بشخصيات هذه الرواية التي جمعت بين متضادات شتى.. دكتور نفساني وزعماء منظمات.. ومأجورون وو وأشخاص عاديون.. يختتم الروائي أحداثه بمشهد يطلّ فيها بطل الرواية ابراهيم وبالأحرى جاك حيث تستقر الذاكرة على تلك الشخصية"، وذلك بعد أن أدخلته احدى المنظمات بفكرة ووهم امتلاكه مقدرات غير طبيعية تجعل منه الواحد أو المطلق.. تنهي الحالة الوهمية الخيالية التي ابتدعها الروائي ليقول شيئاً مهماً من خلال شخصية تلك التي تتجسد أوهام الانسان: "أنا لست الهاً على هذا العالم ولن أكون. أي كائن يريد عالماً يسيطر فيه على كل شيء ويرسم فيه كل شيء، ثم يتقبل ما سيطر عليه وما رسمه كحقيقة؟!. أريد أن أستيقظ من هذا الحلم لأعود الى عالمي الحقيقي الذي أكون فيه أنا مجرداً من كل هذه المطلقية المكشوفة التي تفقدني شعوري بالوجود وقيمته، وسحره بالنسبة لي..". وليجسد الكاتب في المشاهد الأخيرة للرواية بمشهد آدم وحواء في الجنة، وشخصية يرسمها لترمز الى ابليس الذي أفسد على الانسان حياته من خلال هذا الحلم الذي زرعه في داخله ليكون المطلق والواحد في هذا العالم. حيث يخبر آدم بذلك القول: "لقد جاء ليخبرني أنني اذا أردت أن أجعل ذلك الحلم حقيقة فلا بد أن أتناول ثمرة الشجرة المحرمة، ثمرة المعرفة. قال انه لكي تكون لديّ حياة عظيمة ومثيرة يجب عليّ أن أتمرد وأختار طريقي بنفسي".