"عربياتي" - وكان يمكن أن أقول "عروبياتي" -، إذ ليس لهذه الكلمة ولا لتلك في القاموس وجود ولا لجأ إلى أي منها مؤلف. ولكن، لم لا؟... ألا يجوز هكذا تصرف لمصور مثلي، يكتب لا بلغة الحرف بل بما بات بلغة الضوء - أي بالصورة التي صارت لعصرنا بمثابة الكتابة... "عربياتي"، أقول، لأن المصور، كل مصور، إذا تجاوز تصوير الأحداث إلى ما خلفها من رؤ...
قراءة الكل
"عربياتي" - وكان يمكن أن أقول "عروبياتي" -، إذ ليس لهذه الكلمة ولا لتلك في القاموس وجود ولا لجأ إلى أي منها مؤلف. ولكن، لم لا؟... ألا يجوز هكذا تصرف لمصور مثلي، يكتب لا بلغة الحرف بل بما بات بلغة الضوء - أي بالصورة التي صارت لعصرنا بمثابة الكتابة... "عربياتي"، أقول، لأن المصور، كل مصور، إذا تجاوز تصوير الأحداث إلى ما خلفها من رؤى، يرى في العالم غير ما يراه الناس، بل تتغير عنده معايير المهم والأهم، فيغدو تمثيل الحياة في عمقها الإنساني كما في طرافتها أهم من تسجيل أحداثها، الرسميات منها كما المناظر المألوفة من كل عين إلى حد مجاورتها الرتابة. فلم لا، إذا: العالم العربي صار إسمه عندي "عربيات"، عربياتي أنا كما أراها أعرضها في هذا الكتاب، وأريدها أن تكون دعوة "قارىء الصورة" إلى مرافقتي في رحلة من المرئي ظاهراً إلى المخبأ في أعماق النفس والإرادة إلى أعماق الذاكرة، ذاكرتي العربية المتوارثة، لا ذاكرتي البصرية التي هي ثمرة عشر سنوات من السفر داخل ذاتي ووسط ظلال فجرتها أحاسيسي، يرهفها التعاطي البشري الذي يلتزمه المصور... ثم ما رحت أبحث عنه في ماضي الشخصي علي أجد فيه ما يساعدني على فهم الحاضر. ورحت أخيراً أبحث عما عرفته من قبل. كيف لا، وأنا حافظ لحكايات عن جدي الأكبر لجهة والدتي الذي كان ينتمي إلى القيسيين، هاجر مع أبنائه من اليمن على أثر إنهيار سد مأرب الشهير، حين هاجر الألوف ليتوزعوا حيث شاءت لهم الأقدار إلى أن إستقر بهم الأمر في جبل لبنان بعد تقلبات كثيرة بين حربين عالميتين، الأولى والثانية، وصلت ببعضهم إلى الأميركتين. وكانت تتواصل الحكايات المنقولة من الأجداد إلى الآباء والأبناء، عن تاريخ طويل للعذابات التي عاشوها في هجراتهم الصعبة. وإذا قيل اني هكذا أفضل التاريخ على لسان الرواة، كما يتاقله الناس فجوابي أن لي من ذلك شهادة إضافية لوراثتي.