في زنجيته وغربته، كان الفيتوري ضائعاً، بلا هوية، بلا وطن، كان يستشعر اللامكان وطناً له، فسحته السماء البعيدة، وحدوده فوق الزمان، فكان لونه حداً فاصلاً بينه وبين العالم، والدماء التي تجري في عروقه تشده إلى غير صقع وقطر فهو عربي ليبي، وسوداني مصري، وهو الزنجي ربيب الغابات، وحقول الكاكاو.الفيتوري شاعر العنف والرعب، وشاعر الثورة وال...
قراءة الكل
في زنجيته وغربته، كان الفيتوري ضائعاً، بلا هوية، بلا وطن، كان يستشعر اللامكان وطناً له، فسحته السماء البعيدة، وحدوده فوق الزمان، فكان لونه حداً فاصلاً بينه وبين العالم، والدماء التي تجري في عروقه تشده إلى غير صقع وقطر فهو عربي ليبي، وسوداني مصري، وهو الزنجي ربيب الغابات، وحقول الكاكاو.الفيتوري شاعر العنف والرعب، وشاعر الثورة والحبّ في آن معاً وهو بين هذا وذاك تراه عنيفاً حاداً إلى درجة اللهب، وعاشقاً ولهاً إلى حدّ العبادة، وقد مكنته الطاقة الشعرية الكامنة في أعماقه، أن يعبر عن المواقف التي يمر بها، بأروع ما يكون التعبير، فهو لم يقف عند حدود الذات بل تعداها إلى الجماهير بكل أفراحها وأحزانها وآمالها وأمانيها، عبر فرديته، ليصور حال الجماعة التي يكتب عنها ولها، فصور في شعره الصراع بين الشر والإنسان، بين الحياة والموت، بين العدل والظلم، بين السلام والحرب... إذ ان الواقع الذي يعيشه، إنما يعاني من صراع هذه القوى الكامنة في أعماق الفيتوري، حاول فيه المحقق كشف النقاب عن وجه هذا الشاعر وعن شعره كما عرفه. والفيتوري، هذا الشاعر الأبنوسي، الذي غنّى كثيراً ما نزال ننتظر منه الكثير أيضاً، فحياته ربما تخلو من كل شيء إلا من الشعر والحبّ "والشعر وحده هو الإنسان والحقيقة".