"وضع خطواته الأولى على أرض عرفة، استنشق بعمق، تلفت في كل الاتجاهات، لم ير سوى مخيمات ممتدة على أرض جرادة، تفصل بينها ممرات ضيقة، تمتد ثم تتعرج لتفضي إلى مخارج فرعية وأخرى رئيسية جزئت وقسمت بجدران الصفيح.مشى ركب القافلة بطريقة أقرب إلى التنظيم منها إلى الفوضى، أعجبته كوادر الحملة بتفانيهم وتيقظهم في تسيير أمور كل فرد في الحملة......
قراءة الكل
"وضع خطواته الأولى على أرض عرفة، استنشق بعمق، تلفت في كل الاتجاهات، لم ير سوى مخيمات ممتدة على أرض جرادة، تفصل بينها ممرات ضيقة، تمتد ثم تتعرج لتفضي إلى مخارج فرعية وأخرى رئيسية جزئت وقسمت بجدران الصفيح.مشى ركب القافلة بطريقة أقرب إلى التنظيم منها إلى الفوضى، أعجبته كوادر الحملة بتفانيهم وتيقظهم في تسيير أمور كل فرد في الحملة... بعض الكوادر لا يتعدى العشرين من عمره، لكن خدمة الحجيج قد أضافت إلى عمره خبرة جديدة.. جعلته في عداد الناضجين الذين يعتمد عليهم في أحلك الظروف.. وبعضهم يتمتع بروح الفكاهة التي تضفي على أصعب المواقف حالة الابتسامة.. يشعر أحياناً أن معرفته بهؤلاء وليدة زمن بعيدة.. ينضم معهم في حمل الأمتعة ولوازم عرفة، يشعر أنه بخدمة الحجيج يزداد إلى الله قرباً.. يرحب به الكوادر، ويصر آخرون على إعفائه.. يمضي في مساعدتهم..دخلوا إلى مخيم واسع.. لكنه بسيط بمعنى الكلمة، ليس فيه سوى مجموعة كبيرة من فرش نوم إسفنجية خفيفة ووسائد تكومت على بعضها.. وفضاء المخين يمتد شيئاً يسيراً تتقطعه أعمدة حملت أنواراً بدائية وسماعات صوتية مؤقتة.على كل حاج أن يختار موقعه.. كيف سيختار؟!ليس في أي مكان ميزة تذكر عن المكان الآخر.. تتساوى الأمكنة كما تساوت الفروقات الأخرى.. المكان الذي يختاره الحاج ليس بحجم جناح فاخر في فندق من الدرجة الأولى، ولا حتى غرفة متواضعة في استراحة مغمورة، وإنما مكان لا تفصل بينه وبين التربة الجرداء سوى قطعة سجاد، ذلك المكان بالكاد يحتوي جثة الحاج إذا استلقى مضطجعاً، تذكر عبد القادر رغماً عنه إحدى سفراته مع شلته التي تهوى السفر واللهو والمرح.. كانت غرفتهم تطل مباشرة على ساحل البحر حيث تتسكع النساء بمايوهات السباحة الفاضحة".