المدخل إلى معاني الفلسفة

اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ أﻧﻔﺴﮫﻢ ﻓﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ وﻣﺪﻟﻮﻻﺗﮫﺎ. واﻟﻤﻼﺣﻆ ﻋﻠﻰ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ أن ھﺬه اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﻟﻢ ﺗﺆد إﻟﻰ اﺧﺘﻼف ﻓﻲ إن اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻪ اﻟﺒﺎﺣﺜﯿﻦ، ﻣﻦ ﻓﻼﺳﻔﺔ وﻏﯿﺮھﻢ، وھﻢ ﻳﺘﺼﺪون ﻟﺪراﺳﺔ اﻟﻤﺒﺎدئ واﻷﻓﻜﺎر اﻟﺨﻄﯿﺮة ﺗﺒﺪو ﻓﻲ أﺟﻠﻰ ﺻﻮرھﺎ وﻣﻌﺎﻧﯿﮫﺎ ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻻتاﻟﺮأي واﻻﺟﺘﮫﺎد ﺣﻮل اﻟﺪﻻﻟﺔ اﻟﻮﺻﻔﯿﺔ اﻟﻤﺠﺮدة ﻟﻠﻤﺼﻄﻠﺢ ﻓﺤﺴﺐ، ﺑﻞ ﺗﻌﺪى اﻷﻣﺮ ذﻟﻚ إﻟﻰ اﺧﺘﻼف وﺗﻔﺎوت ﻓﻲ ﺗﻘﻮﻳﻢ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ وﺗﻘﺪﻳﺮ ﻣﻨﺠﺰاﺗﮫﺎ أﻳﻀﺎً.وھﻜﺬا أطﻠﻖ اﻟﻤﺼﻄﻠﺢ أﺣﯿﺎﻧﺎً ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ داﺋﺮة ﻣﻌﯿﻨﺔ وﻣﺨﺼﻮﺻﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ، ﻓﻲ ﺣﯿﻦ أرﻳﺪ ﺑﻪ ﻓﻲ أﺣﺎﻳﯿﻦ أﺧﺮى ﻛﺜﯿﺮة ﺟﻮاﻧﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔأھﻤﻠﮫﺎ اﻵﺧﺮون أو ﻟﻢ ﻳﺤﺴﺒﻮا ﻟﮫﺎ ﺣﺴﺎﺑﺎً ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﺮاﺗﮫﻢ.ﻓﻔﻲ اﻟﺤﺎﺿﺮ اﻟﻮﺻﻔﻲ ﻟﻠﻤﺼﻄﻠﺢ، ﻣﺜﻼً أطﻠﻖ اﻟﻠﻔﻆ أﺣﯿﺎﻧﺎً ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ: ﺟﻤﻠﺔ اﻟﻤﻌﺎرف اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ اﻟﺘﻲ ھﻲ ﺣﺼﯿﻠﺔ اﺟﺘﮫﺎد إﻧﺴﺎﻧﻲ رﻓﯿﻊ ﻗﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔاﻟﻌﻘﻠﯿﺔ اﻟﻮاﻋﯿﺔ واﻟﻨﻘﺪ اﻟﻨﺰﻳﻪ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻘﯿﻢ وزﻧﺎً ﻟﻐﯿﺮ اﻟﺤﺠﺔ واﻟﺪﻟﯿﻞ واﻟﺒﺮھﺎن ﺣﺴﺎﺑﺎً، وﺑﮫﺬا اﻻﻋﺘﺒﺎر ﺗﺮادف اﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﻲ ﻣﻀﻤﻮﻧﻪ وﻣﺤﺘﻮاه ﻣﻊﻓﻲ اﻟﺪﻻﻟﺔ واﻟﻤﻌﻨﻰ ﻣﻊ اﻟﺸﻌﺮ واﻟﺘﺎرﻳﺦ، ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرھﻤﺎ ﻧﺘﺎج ﺗﺠﺮﺑﺔ وﺟﺪاﻧﯿﺔ أﺳﺎﺳﮫﺎ اﻟﺤﺪس واﻹﻟﮫﺎم واﻟﺒﺼﯿﺮة اﻟﺒﺎطﻨﺔ، وﺑﮫﺬا ﻳﻘﻒ اﻟﻤﺼﻄﻠﺢ طﺮﻓﺎً ﻧﻘﯿﻀﺎً وﻣﻘﺎﺑﻼً "اﻟﻌﻠﻢ" ﻓﻲ أدق ﻣﻌﺎﻧﯿﻪ ﻟﯿﻘﻒ طﺮﻓﺎً ﻧﻘﯿﻀﺎً وﻣﻘﺎﺑﻼً ﻟﻠﺸﻌﺮ واﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺪﻳﻨﯿﺔ. وﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﻘﺎﺑﻞ أطﻠﻖ اﻟﻠﻔﻆ ﻓﻲ أﺣﺎﻳﯿﻦ أﺧﺮى ﻛﺜﯿﺮة ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻳﺘﺴﺎوى ﻓﯿﻪﻟﻠﻌﻠﻢ، وﻳﺼﺒﺢ ﻋﻨﻮاﻧﺎً ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺗﺄﻣﻠﯿﺔ وﺗﺠﺮﺑﺔ ذاﺗﯿﺔ ﺑﺎطﻨﯿﺔ، ﻻ ﺷﺄن ﻟﮫﺎ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ أو اﻟﺸﺮوط اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ.وﻓﻲ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﺘﻘﻮﻳﻤﻲ ﻟﻠﻤﺼﻄﻠﺢ، ﻧﺠﺪ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﻜﻤﺎء ﻣﻦ رﻓﻊ ﺷﺄن اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﺄﺣﺎطﮫﺎ ﺑﮫﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ واﻹﻋﺠﺎب ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرھﺎ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻋﻘﻠﯿﺔ ﻣﺨﻠﺼﺔ ودؤوﺑﺔﻻﻛﺘﺴﺎب اﻟﺤﻜﻤﺔ، واﻟﺒﺤﺚ ﻓﯿﮫﺎ، وﺑﺬل اﻟﻮﺳﻊ ﻛﻠﻪ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﺤﻘﻖ ﺑﮫﺎ، ﻓﺈﻧﻨﺎ، وﺑﻘﺪر ﻣﺴﺎو، ﻻ ﻧﻌﺪم ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻓﮫﻢ آﺧﺮﻳﻦ: ﺳﺨﺮوا ﻣﻨﮫﺎ، واﺳﺘﺨﻔﻮا ﺑﻤﻨﺠﺰاﺗﮫﺎ،وﺳﻔﮫﻮا ﻣﻮﺿﻮﻋﺎﺗﮫﺎ، ﻓﺮﻓﻀﻮا اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺸﺮﻋﯿﺘﮫﺎ، ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرھﺎ: ﻣﺸﺮوﻋﺎً راﻛﺪاً، وﺟﺪﻻً ﻓﺎرﻏﺎً ﻓﻲ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﻣﺘﻮھﻤﺔ، ﻻ ﺗﺴﻮق ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻳﺔ واﻟﻨﮫﺎﻳﺔ إﻻ إﻟﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔاﻋﺘﻘﺎدات ﻓﺎﺳﺪة ﻻ ﺗﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻢ وﻣﻨﮫﺠﻪ اﻟﻮﺿﻌﻲ ﺑﺼﻠﺔ.ﻛﺬﻟﻚ ﻧﺠﺪ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ أﺣﯿﺎﻧﺎً ﺗﻘﺎﺑﻼً وﺗﻀﺎداً ﺑﯿﻦ ﻣﺼﻄﻠﺢ "اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف" اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻋﻦ ﺣﻜﻤﺔ ﻣﺼﻔﺎة ﻻ رﻳﺐ ﻓﯿﮫﺎ داﻓﻌﮫﺎ اﻟﺮﻏﺒﺔ اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻤﺎساﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺤﻘﺔ اﻟﻤﻨﺰھﺔ ﻋﻦ اﻷﻏﺮاض، دﻳﻨﯿﺔ ﻛﺎﻧﺖ أم دﻧﯿﻮﻳﺔ، وﺑﯿﻦ "اﻟﺴﻮﻓﺴﻄﺎﺋﻲ" اﻟﺬي ﻳﻘﻒ ﺑﻮﺟﻮده ﺷﺎھﺪاً ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻤﺔ ﻣﻤﻮھﺔ وﻣﻌﺮﻓﺔ ﻗﺸﺮﻳﺔ ﻣﺸﻮﺑﺔﺑﺎﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﻻ ﺗﺒﺤﺚ ﻟﺬاﺗﮫﺎ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﺗﮫﺪف إﻟﻰ ﺗﺠﺎرة رﺧﯿﺼﺔ وﻣﺒﺘﺬﻟﺔ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺸﺮﻳﻔﺔ.ﻟﻔﻈﯿﺔ وﺑﺤﺜﺎً ﻓﻲ أﺷﺒﺎه ﻗﻀﺎﻳﺎ ﻟﯿﺲ ﻟﮫﺎ وﺟﻮد ﺣﻘﯿﻘﻲ، ﻓﺈﻧﻨﺎ وﻋﻠﻰ اﻟﻨﻘﯿﺾ ﻣﻦ ھﺬا ﻛﻠﻪ، ﻧﺠﺪ آﺧﺮﻳﻦ، وھﻢ ﻛﺜﺮ، اﻋﺘﻘﺪوا ﻋﻦ إﺧﻼص ﺑﺄن اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎﻧﻲ وإذا ﻛﻨﺎ ﻧﻮاﺟﻪ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻓﻼﺳﻔﺔ ﻛﺒﺎراً ﻳﺪﻋﻮن إﻟﻰ إﺳﻘﺎط اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرھﺎ ﻓﻲ أﻓﻀﻞ ﺻﻮرھﺎ ﻻ ﺗﻌﺪو أن ﺗﻜﻮن ﻣﺸﺮوﻋﺎً راﻛﺪاً، وزﺧﺮﻓﺔﻣﻨﮫﺎ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻣﻤﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺠﺎوزھﺎ إﻻ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ دوﻟﺔ ﻣﺜﺎﻟﯿﺔ ﻓﺄﺿﻠﺔ ﻳﻜﻮن اﻟﻤﻠﻮك ﻓﯿﮫﺎ ﻓﻼﺳﻔﺔ أو اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻣﻠﻮﻛﺎً.وﻧﺤﻦ إن ﺗﺠﺎوزﻧﺎ ھﺬا اﻻﺧﺘﻼف واﻟﺘﺒﺎﻳﻦ ﻓﻲ اﻵراء ﺣﻮل اﻟﺪﻻﻟﺘﯿﻦ اﻟﻠﻔﻈﯿﺔ واﻟﺘﻘﻮﻳﻤﯿﺔ ﻟﻠﻤﺼﻄﻠﺢ، وھﻲ اﻟﺨﻼﻓﺎت اﻟﺘﻲ اﺷﺘﺪ ﺳﻌﯿﺮھﺎ ﻓﻲ ﻣﻄﺎﻟﻊ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﺤﺪﻳﺜﺔﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﺮى أن اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺑﻤﻨﮫﺠﮫﺎ اﻟﻌﻘﻠﻲ، واﻟﺘﻲ ﻣﺜﻠﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام ﻣﺤﺎوﻟﺔ إﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﺳﺎﻣﯿﺔ ﺗﺤﺎول إﺳﻘﺎط اﻵراء اﻟﺸﺎﺋﻌﺔ واﻷﻓﻜﺎر اﻟﺴﺎﺋﺪة واﻻﻋﺘﻘﺎدات اﻟﻤﺄﻟﻮﻓﺔاﻹﻧﺴﺎﻧﻲ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻣﺠﻤﻞ اﻟﻔﻜﺮ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ اﻟﻤﺘﺤﻘﻖ ﻓﻌﻼً، ﻓﻲ ﻓﺘﺮة زﻣﻨﯿﺔ ﻣﻌﯿﻨﺔ، ﻣﻦ وﺟﮫﺔ ﻧﻈﺮ ﻧﻘﺪﻳﺔ واﻋﯿﺔ وﻣﺨﻠﺼﺔ ﻟﻤﺮﺗﻜﺰاﺗﻪ وﻗﻮاﻋﺪه وﺗﺤﻮﻳﻠﮫﺎ إﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﻟﯿﺲ ﻟﮫﺎ ﻣﻦ ﺳﻨﺪ ﺳﻮى اﻻﻟﻒ واﻟﻌﺎدة واﻟﻨﺰوع إﻟﻰ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ وﺗﺪﻋﻮ ﻓﻲ إﺻﺮار إﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻻ ﺗﺪﻋﻲ اﻟﻌﺼﻤﺔ واﻟﯿﻘﯿﻦ واﻹطﻼق، وﺗﺤﺎول ﻗﺪر اﻟﻮﺳﻊﻋﻨﺎﺻﺮھﺎ اﻷوﻟﯿﺔ ﺛﻢ إﻋﺎدة ﺑﻨﺎﺋﮫﺎ وﺗﺮﻛﯿﺒﮫﺎ وﻓﻖ ﻣﻌﻄﯿﺎت ﻣﺴﺘﺠﺪة ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻠﺴﺎﺑﻘﯿﻦ ﻋﻠﻢ ﺑﮫﺎ. وھﻜﺬا ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻟﻨﺎ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﺻﻮرة ﻣﺤﺎوﻻت إﻧﺴﺎﻧﯿﺔﺻﻔﺤﺔ اﻟﻜﺘﺎب