الطبعة الخامسة من كتاب ماذا جرى في الشرق الاوسط يقول المؤلف أنا لم اكتب هذه الصفحات لكي احرق بخورا أو أحطم أصناما لقد كانت الحقيقة وحدها هي الضمير الذي استعنت به في تصوير هذه الشخصيات والأحداث التي صنعتهم وصنعوهاكاتب سطور هذا الكتاب هو واحد من الذين ساقتهم الظروف السياسية لبلادهم ليكونوا على مقربة من مسيرة الحدث السياسي وعلى درا...
قراءة الكل
الطبعة الخامسة من كتاب ماذا جرى في الشرق الاوسط يقول المؤلف أنا لم اكتب هذه الصفحات لكي احرق بخورا أو أحطم أصناما لقد كانت الحقيقة وحدها هي الضمير الذي استعنت به في تصوير هذه الشخصيات والأحداث التي صنعتهم وصنعوهاكاتب سطور هذا الكتاب هو واحد من الذين ساقتهم الظروف السياسية لبلادهم ليكونوا على مقربة من مسيرة الحدث السياسي وعلى دراية بأصحابه وبخلفياته وخلفياته.. فقد كانت نكبة بلاده سبباً في أن يصحو ذات يوم ليجد نفسه موظفاً كبيراً في بلاد ملك الأردن.. ثم موظفاً كبيراً في بلاط ملك الأردن... ثم موظفاً كبيراً في رئاسة وزراء الأردن... ثم مديراً عاماً لمطبوعات الأردن وإذاعته... ثم موظفاً كبيراً في وزارة الخارجية... ثم صحفياً في كل عاصمة عربية... ثم صحفياً في دنيا القاهرة... وقد جعلته هذه المحطات المختلفة من عمله، قريباً من الذين يحكمون أو يتحكمون في مصير هذا الشرق. لقد عرف بعضهم بالعمل الرسمي المحاط بالسرية والجد، وكان يثق في أن الأحاديث التي تدور بين ملك ورئيس وزراء، أو بين زعيم وقائد جيش، أو بين رئيس وزراء ووزير خارجيته، أبعد وأقوى وأشد حصناً من أن تقع في يد صحفي أو تصل إلى علم رجل الشارع، كذلك كان مفهوماً، أن كل سر يطلع عليه المرء بوصفه موظفاً موثوقاً به، يجب أن يموت على شفتيه أو في قلبه في اللحظة التي يتحرر فيها هذا الموظف من قيود الوظيفة ويصبح فرداً عاماً... ولكن ذلك كله لم يستطع أن يقف في طريق ضعف ناصر الدين النشاشيبي الشخصي، فقد كان دائماً يحسّ به، ولا يحاول مقاومته.. فقد كان حبه للكتابة، وتسجيل ما يصل إلى يده وذهنه من أسرار، يسبق شعوره بمسؤولية الموظف... فكان هذا الكتاب الذي يضمّ نقد كاتبه التقديري لمجموعة من الشخصيات السياسية التي كان لها دور على مسرح أحداث الشرق الأوسط منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تسنى له الوقوف على حقيقة الأدوار التي قامت بها هذه المجموعة عن طريق اطلاعه على حقيقة أفرادها، فقد فهم الحادث المعين بمفتاح فهمه لصاحب هذا الحادث. وهو يقول في مقدم كتابه بأنه إذا كان في رجل السياسة نزعة الممثل، فكل الذين سيتم الحديث عنهم في هذا الكتاب ممثلون! وإذا كانت مصائر البلدان مرهونة إلى حدّ كبير بأعمال رجال الحكم والسياسة فيها فإن المجموعة التي يتضمنها هذا الكتاب قد صنعت مصير أكثر من بلد عربي! وإذا كانت فترة ما بعد "النكبة" قد بدأت تطهر نفسها من الذين اشتركوا في صنع النكبة قبل أن تبدأ الانتقام والثأر من العدو الغاصب، فإن عدداً ليس بالقليل من صفحات هذا الكتاب قد استوعب قصص هؤلاء الذين غابوا مع بزوغ فجر الثأر والاستعداد للجولة القادمة والنشاشيبي في كتابه هذا لم يكتب قصص حياة هؤلاء إنما هو اكتفى بتفسير الجوانب المهمة من شخصياتهم لإلقاء الضوء على الجانب الخطير في تصرفاتهم، ليعرف القارئ العربي معنى تصرفاتهم لكي يفهم حقيقة أخطر فترة مرت في تاريخ الأمة العربية!إنها صفحات أقرب إلى التاريخ أو السرد التاريخي منها إلى الصحافة فقد تجتمع بين الصحفي والمؤرخ أكثر من صفة يستطيع بها صاحبها أن يصل إلى الحقيقة المختفية وراء الواقع وبين السطور! غير أن الفرق بين الاثنين-الصحفي والمؤرخ-لا يوجد في الشيء الذي يكتبه كل منهما، بقدر ما هو في كيفية كتابة هذا الشيء. وأخيراً.. فالسطور هي قصص تاريخ من صميم حياتنا السياسية المعاصرة... فيها من الصحافة... حقيقة الخبر، وفيها من التاريخ ميزة الأسلوب... واللون والتفسير,