تظاهرت الأدلة الشرعية على إقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتناصرت الحجج والبينات في التعاون والتآزر على البر والخير، ورفع الظلم ودفع الشر، كما اتفق العلماء على أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، ودفع المفاسد وتقليلها، كما بُنيت الشريعة على إقامة صروح العدل، وتشييد أركان دولته، ورعاية الضرورات والحاجات بما...
قراءة الكل
تظاهرت الأدلة الشرعية على إقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتناصرت الحجج والبينات في التعاون والتآزر على البر والخير، ورفع الظلم ودفع الشر، كما اتفق العلماء على أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، ودفع المفاسد وتقليلها، كما بُنيت الشريعة على إقامة صروح العدل، وتشييد أركان دولته، ورعاية الضرورات والحاجات بما يحفظ على أهل الإسلام مقاصد الشريعة، ويقيم الحياة على أسس قويمة. ووفقًا لهذا المنهج الإسلامي المبارك أقام المسلمون الأوائل حضارة راشدة مهيبة، فيها دولة عادلة، وأخلاق مستقيمة، فلما تطاول عليهم العهد، وأسرعت إلى دولتهم عوامل الضعف، استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، فغابت شمس شريعتهم، وأفل نجم حضارتهم، وغلبت عليهم أوباش الأرض يستذلونهم، ويُخربون ديارهم، وينتقصونها من كل جانب، فقامت الشعوب المسلمة بثوراتها الجهادية ضد دول الاستعمار المخرِّبة، وشراذم دول الصليب الحاقدة، وحين غلبوا ما كانوا ليتركوا البلاد حتى يولُّوا عليها أذيالًا ويُسَوِّدوا عليها ذئابًا في جثمان إنس، فطفق هؤلاء يسومون البلاد ذلًّا وخسفًا وعسفًا، حتى إذا بلغ السيل الزبى، وفاض كيل الخلق بالظلم الذي طفح في كل وادٍ ونادٍ، اجتاحت البلادَ العربية المسلمة ثوراتٌ شعبيةٌ، بدأت بمظاهرات سلمية، فاعتصامات خضراء، فثورات بيضاء؛ نُكب بها الظالمون، فتقوَّضَتْ عروشُ ظلمٍ وطغيانٍ ضرب بأطنابه عبر عقودٍ، ثم تساءل الناس ما حكم ما جرى؟!! وتجدد السؤال بعد هذه الثورات، ما حكم المظاهرات، وهل يستقيم قول بإباحتها مطلقًا، وهل يُسمع قول بتحريمها مطلقًا؟! ولقد تنوعت الإجابات وتعددت، وربما اشتبهت على السائلين الدروب واختلفت، وهذه محاولة بحثية عاجلة، وقد جاءت في ظروف حرجة لبيان حكم المظاهرات التي كانت بداية تلك الثورات، أقدِّمها بين يدي السادة العلماء، وأضعها تحت نظر الفقهاء الأجلاء.