لا ريب في أن الغاية من وضع النواميس والأديان، وبعثة المصطفين من عظماء الإنسان، هو سوق الناس من مراتع البهائم والشياطين، وإيصالهم إلى روضات العليين، وردعهم عن مشاركة أسراء ذل الناسوت، ومصاحبة قرناء جب الطاغوت إلى مجاورة سكان صقع الملكوت، ولا يتيسر ذلك إلا بالتخلي عن ذمائم الأخلاق ورذائلها، والتحلي بشرائف الصفات وفضائلها. فيجب على...
قراءة الكل
لا ريب في أن الغاية من وضع النواميس والأديان، وبعثة المصطفين من عظماء الإنسان، هو سوق الناس من مراتع البهائم والشياطين، وإيصالهم إلى روضات العليين، وردعهم عن مشاركة أسراء ذل الناسوت، ومصاحبة قرناء جب الطاغوت إلى مجاورة سكان صقع الملكوت، ولا يتيسر ذلك إلا بالتخلي عن ذمائم الأخلاق ورذائلها، والتحلي بشرائف الصفات وفضائلها. فيجب على كل عاقل أن يأخذ أهبته، ويبذل همته في تطهير قلبه عن أوساخ الطبيعة وأرجاسها. وتغسيل نفسه عن أقذار الجسمية وأنجاسها قبل أن يتيه في بيداء الشفاف، ويهوى في مهاوى الضلالة، ويصرف جده ويجتهد جهده في استخلاص نفسه عن لصوص القوى الإمارة مادام الاختيار بيده، إذ لا تنفعه الندامة والحسرة في غده.ثم لا ريب في أن التركيز موقوفة على معرفة مهلكات الصفات ومنجياتها، والعلم بأسبابها ومعالجاتها. وهذا هو الحكمة الحقة التي مدح الله أهلها، ولم يرخص لأحد جهلها وهي الموجبة للحياة الحقيقة، والسعادة السرمدية، والتارك لها على شفا جرف الهلكات، وبما أحرقته نيران الشهوات.وقد كان السلف من الحكماء يبالغون في نشرها وتدوينها، وجمعها وتبيينها، على ما أدت إليه قوة أنظارهم، وأدركوه بقرائحهم وأفكارهم. ولما جاءت الشريعة النبوية حثت على تحسين الأخلاق وتهذيبها، وبينت دقائقها وتفصيلها بحيث أضمحل في جنبها ما قرره أساطين الحكمة والعرفان، وغيرهم من أهل الملل والأديان، إلا أنه لما كان ما ورد منها منتشراً في موارد مختلفة، ومتفرقاً في مواضع متعددة، تعسر أن يحيط به الجل فلا بد من ضبط في موضع واحد ليسهل تناوله للكل.انطلاقاً من هنا فقد سعى "محمد مهدي الزاقي" لجمع مواد كتابه هذا مضمناً إياه خلاصة ما ورد من الشريعة الحقة، مع زبدة ما أورده أهل العرفان والحكمة على نهج تقر به أعين الطالبين، وتسر به أفئدة الراغبين.ذاكرا أولاً بعض المقدمات النافعة في المطلوب، ثم أشار إلى أقسام الأخلاق، ومبادئها من القوى وضبطها بأجناسها وأنواعها ونتائجها وثمراتها، ثم انتقل إلى المعالجة الكلية لذمائم الأخلاق والجزئية لكل خلق مذموم: مما له اسم مشهور، وما ينشأ عنه من الأفعال المذمومة، وفي تلوه يذكر ضده المحمود، وما يدل على فضله عقلاً ونقلاً، لأن العلم بفضيلة كل خلق والمداومة على آثاره أقوى علاج لإزالة ضده.ثم قام بذكر ما يتعلق بالقوة العقلية من الفضائل والرذائل على النحو المذكور، ما يتعلق بالغضبية، ثم ما يتعلق بالشهوية، ثم ما يتعلق باثنتين منها أو ثلاث، لأن ذلك أدخل في ضبط الأخلاق، ومعرفة أضدادها، والعلم بمبادئها وأجناسها، وهو من أهم الأمور لطالبي هذا الفن.