لا نبالغ إذ قلنا: إنّ مسألة "ولاية الأمر" ليست هي المسألة الجديدة ولا الغريبة على الذهن البشري، منذ أن لامست قدماً أول إنسان على سطح هذا الكوكب وحتى الآن، فعندما تشكّلت أولى التجمعات البشرية، وشغلت مساحة من الأرض، برزت الحاجة إلى مناقشة موضوع من يجب أن يلتزم أمر ولاية الجماعة، والشروط التي ينبغي أن تتوفر فيه لكي يمكنه أن يشغل هذ...
قراءة الكل
لا نبالغ إذ قلنا: إنّ مسألة "ولاية الأمر" ليست هي المسألة الجديدة ولا الغريبة على الذهن البشري، منذ أن لامست قدماً أول إنسان على سطح هذا الكوكب وحتى الآن، فعندما تشكّلت أولى التجمعات البشرية، وشغلت مساحة من الأرض، برزت الحاجة إلى مناقشة موضوع من يجب أن يلتزم أمر ولاية الجماعة، والشروط التي ينبغي أن تتوفر فيه لكي يمكنه أن يشغل هذا المنصب؛ فيقوم بإدارة دفّة الجماعة وهي تشق طريقها إلى الحياة، وعلى الترتيب باتت هذه المسألة "ملفاً" يشغل حيّزاً كبيراً في ضمير الإنسانية جمعاء؛ والعالم الإسلامي شأنه كغيره.اهتمّ بهذا "الملفّ" إهتماماً بالغاً، خاصةً وهو في طور تأسيس كيان حضاري ذي قانون جديد، يسعى لأن يقدّم للعالم كله نموذجاً حضارياً مثيراً، يقوم على أساس أخلاقي ربّاني رفيع، ويسعى إلى نقل العالم الجاهل من فوضويته العارمة، وظلامه الدامس، وإضطرابه الكبير إلى مدنيّة راقية، وأخلاق رفيعة، وقيم مشرقة، تنشر أجنحتها النيّرة في كل الآفاق.وبعد إنتصار الثورة الإسلامية في إيران في الربع الأخير من القرن الماضي، وما أحدثته من إهتزاز في ميزان القوى العالمية، وتغيّر في الخارطة السياسية في المنطقة، ثم إعلانها لمبدأ "ولاية الفقيه"؛ وطرحه كنظرية قابلة للتطبيق؛ انذهل العالم برمته تجاه هذه المسألة، فزاد من إهتمامه نحو هذا "الملف"، فاكتسب خطورة أكبر مما كان سابقاً.وفي ظلّ هذه الظروف المحيطة، وما أفرزته "العولمة" من معطيات خطيرة انعكست أثارها على الأوضاع الراهنة على أكثر من صعيد، وظهور آراء متباينة تجاه هذه المسألة، من مؤيد، وآخر مخالف، وثالث متردّد، ورابع أطبق في صمته... كلّ ذلك جعل "الملفّ" يتصف بالأهميّة والخطورة.وهذا الكتاب - الماثل بين أيدينا - يعدّ إحدى المحاولات الهامّة في هذا المضمار، الذي خطته براعة الأستاذ الألمعي أية الله الشيخ "محمد مهدي الأصفي"، الذي اتحف المكتبة الإسلامية بعدّة كتب هادفة، اتسمت بالموضوعية والكلمة الصادقة، واشتملت على جملة أفكار جديرة بمطالعتها، فقد بذل المؤلف جهداً كبيراً في محاولة جادّة وهادفة لإظهار المسألة بأفضل صورة مطابقة للواقع، فهو أشبه بجراحة يجريها عليها، وبأقلّ قدر من الخسائر، ودون أن تخلف أيّ خلل في السياق أو تشوّهات في نسيج الكتاب!...