إننا لا ننكر أن علماءنا القدماء جاءوا بآراء حصيفة وصائبة في المسألة التي تحت قيد التحليل، ولذلك بوأناهم المكانة اللائقة بهم في هذه الدراسة، ولكنهم بحكم سيطرة المناخ المعرفي الموروث عن أرسطو آلية التقييس إلى شطرين: أحدهما تخلوا عنه وثانيهما تبنوه، فما تخلوا عنه التقييس (القياس) الذي تركوه للأصوليين والمناطقة والفلاسفة، و ما تبنوه...
قراءة الكل
إننا لا ننكر أن علماءنا القدماء جاءوا بآراء حصيفة وصائبة في المسألة التي تحت قيد التحليل، ولذلك بوأناهم المكانة اللائقة بهم في هذه الدراسة، ولكنهم بحكم سيطرة المناخ المعرفي الموروث عن أرسطو آلية التقييس إلى شطرين: أحدهما تخلوا عنه وثانيهما تبنوه، فما تخلوا عنه التقييس (القياس) الذي تركوه للأصوليين والمناطقة والفلاسفة، و ما تبنوه هو الاستعارة. خاض الأصوليون والمناطقة والفلاسفة في دور القياس في عملية المعرفة وفي قيمتها، وترك البلاغيون شذرات في الدور المعرفي للاستعارة سرعان ما تناساها الخلف واكتفوا بجماليتها ثم نسوا كل دور لها فصارت عبارة عن محفوظات ببغاوية تتردد بين الشفاه. وقد آن الأوان لاستثمار التقييس لإدراك دور الاستعارة في خلق النظرية وفي تسويغها وفي الربط بين عناصر الكون للهيمنة عليه وضمان العيش فيه، أوفي خلق الأوهام وقلب الحقائق، وفي معرفة مزيفة. محاولتنا هذه تسير في ضوء هذا الاتجاه الموحد الجديد وإن هدفت بصفة أساسية إلى الإسهال في حل مسألة استعارة السياق بتعبير "وينريخ" أو النص (بتعبيرنا). أي مجموع الاستعارات الواردة في النص المكونة لخطاب ما، إرجاعا للدور المعرفي والجمالي للنص، إذ صار يعتبر وخصوصا الأدبي منه مجرد هذر لأناس يعيشون في أوهام أو مجرد خزان لمعلومات تستغل في أغراض مختلفة. وقد تبنينا نظرية ملائمة جعلتنا نتجاوز العوائق الإبستمولوجية التي تحول دون الوصول إلى هدفنا. وكانت النظرية هي التفاعلية لشمولية وبساطتها، فهي شاملة من حيث إنها تجعلنا نستطيع تجاوز الإبستمولوجية الأرسطية الوضعية التي اهتمت بتحليل الكائنات الطبيعية والمفاهيم اعتمادا على مقوماتها الملاصقة، وتجعلنا – بدلا من ذلك – نتبنى التحليل بالمقومات السياقية المستقاة من تفاعل المفاهيم ومساق الخطاب وسياقه ضمن بنية شاملة. وأما بساطتها فمن حيث إن استعارة يمكن ردها – بناء على المساق والسياق – إلى موضوع أول و إلى موضوع ثانمما جعلنا نستغني عن التقسيمات الكثيرة التي استنكرها القدماء أنفسهم، على أن الوصول إلى بناء الاستعارة النصية تطلب منا المرور باستعارة الجملة لإدراك معنى المماثلة التي تقوم بدور أساسي في النظرية المعرفية للاستعارة، وتبيان معنى الاستعارة المفهومية التي تتمحور حولها استعارات تعبيرية.