منذ بداية القرن الحالي وجهت اهتمامات متعددة من جانب المؤرخين في الغرب، وأيضاً من جانب بعض العرب، خاصة في مجال الطب، للكشف عن تاريخ الطب العربين وموضعه من الأبحاث العلمية التي قام بها العلماء العرب حتى قبيل سقوط الأندلس.وبطبيعة الحال فإن هذه الدراسات لم تنته رغم سيل الدراسات التي صدرت في الفترة الأخيرة -ولا زال البحث العلمي المتو...
قراءة الكل
منذ بداية القرن الحالي وجهت اهتمامات متعددة من جانب المؤرخين في الغرب، وأيضاً من جانب بعض العرب، خاصة في مجال الطب، للكشف عن تاريخ الطب العربين وموضعه من الأبحاث العلمية التي قام بها العلماء العرب حتى قبيل سقوط الأندلس.وبطبيعة الحال فإن هذه الدراسات لم تنته رغم سيل الدراسات التي صدرت في الفترة الأخيرة -ولا زال البحث العلمي المتواصل ينقب ويبحث عن جديد، ليحاول أن يقف على حقيقة بنية الفكر العلمي العربي، حتى يمكن من خلال هذا البحث أن يعرض علينا حلقة البحث في تاريخ الطب بصورة متكاملة وشبه مقنعة لتتسق جوانب وملامح الصورة العلمية عند العرب.والذي لا شك فيه أن أبحاث الطب العربي بدأت بعبقرية رجل واحد، هو الطبيب والعالم والمترجم الفذ حنين بن إسحق الذي أخرج لنا روائع الطب اليوناني الأبقراطي والجالينوسي في فترة هامة من فترات النقل العلمي من منتصف القرن الثاني الهجري إلى منتصف القرن الثالث الهجري.كانت هذه البداية بمثابة قوة الدفع الأساسية التي وضعت تراث القدماء أمام المسلمين، وفي نفس الوقت حفزتهم إلى دراسات جديدة ومتابعات لأبحاث أبعد. نقول كانت البداية لرجل واحد.ثم انطلق علماء المسلمين الذين كانت لهم صولات وجولات في مجال الطب على وجه الخصوص فوجدنا الإسهام والعبقرية في هذا الجانب موضع تقدير من علماء الغرب. وسوف نتبين في هذا البحث مقدار وحجم التقدم الذي أحرزه المسلمين بعبقرية متفتحة على كل ما هو جديد في عالم البحث العلمي.إن الكتابات تؤكد أن التأريخ للطب يبدأ بشخصية يحيى النحوي -تلك الشخصية التي ثار الجدال حولها كثيراً، ولا يزال -ثم تطورت المسألة إلى أن أخذت وضعها الطبيعي عند مؤرخين للطب من الطراز الأول مثل أبو سليمان المنطقي السجستاني، وأبو حيان النويري، وأبي جلجل، وصاعد الأندلسي، في القرن الرابع الهجري. لكن بمقدم القرن السابع الهجري ظهرت كتابات أكثر تخصصاً في تاريخ الطب، وظهرت دراسات تؤرخ للحركة ككل بصورة شبه موضوعية ودقيقة، ترسم خريطة للحياة العلمية الطبية في العالم الإسلامي. ومن أهم هذه الكتابات ما دونه ابن أبي أصيبعة في "عيون الأنباء في طبقات الأطباء"، وما كتبه ابن القفطي في "تاريخ الحكماء" وما دونه ابن خلطان في كتابه "وفيات الأعيان".بستند هذا البحث إلى فرضيتين أساسيتين: الأولى، أن المسلمين اتبعوا المنهج العلمي في دراستهم في مجال الطب. والثانية، أنه كانت هناك عبقرية عربية إسلاكية حقيقية، وهناك نماذج متعددة لتلك العبقرية، ومن بين هذه النماذج يظهر ويلمع اسم ابن النفيس. لقد أراد المؤلف أن يناقشه في إشكاله لدى الغرب، وفي عبقريته التي شهد العالم بها.