تقوم هذه الدراسة على أساس مناقشة مشكلات ثلاث هامة هي: مشكلة العلية، ومشكلة القانون العلمي والنظرية، وأخيراً مشكلة الزمان والمكان. أما عن سبب اختيار المؤلف لهذه المشكلات فيقول بأنها تمثل أهم الجوانب الفلسفية التي خضعت للتطور العلمي تحت تأثير الأبحاث العلمية، فقد يعتقد البعض أن الفلسفة لا تقدم أي جديد، أو أنها تتحدث في فراغ، وقد ي...
قراءة الكل
تقوم هذه الدراسة على أساس مناقشة مشكلات ثلاث هامة هي: مشكلة العلية، ومشكلة القانون العلمي والنظرية، وأخيراً مشكلة الزمان والمكان. أما عن سبب اختيار المؤلف لهذه المشكلات فيقول بأنها تمثل أهم الجوانب الفلسفية التي خضعت للتطور العلمي تحت تأثير الأبحاث العلمية، فقد يعتقد البعض أن الفلسفة لا تقدم أي جديد، أو أنها تتحدث في فراغ، وقد يعتقد غيرهم أن صوت الفلسفة المسموع انتهى عهده من زمن بعيد.ولذ آثر المؤلف أن يقدم هذه المشكلات الثلاثة للقارئ لعله يجد في مناقشتها ما يرد على آراء خصوم الفلسفة، والمشكلة الأولى وهي مشكلة العلية من أشد المشكلات الفلسفية تعقيداً وتركيباً، غذ إن فكرة العلية ذاتها لعبت دوراً هاماً في تاريخ الفكر الفلسفي على الإطلاق فبعد أن كان القدماء يعتقدون في علّة مادية واحدة يفسرون بها الوجود ككل، استطاع أرسطو أن يقدم تقسيماً رباعياً لعلل إلى مادية وصورية وفاعلية وغائبة، وقد استقر هذا التقسيم لفترة طويلة وحتى مطلع العصر الحديث إلى أن جاء جاليليو وأحال الفلسفة الأرسطية إلى التقاعد بصورة جزئية، ثم "أبهز فرنسيس بيكون" على ما تبقى من المنطق الأرسطي حين أصدر الأورجانون الجديد.لكن "ديفيد هيوم" وجه ضربات قوية لكل اعتقاد يستند إلى العلية، فأنكر ضرورة العلاقة بين العلة والمعلول ووضع الفكر أمام أزمة حقيقية تمثلت في مشكلة عرفت بمشكلة الاستقراء. ولكن التطورات العلمية التي حدثت في القرن التاسع عشر أفضت إلى نتائج هامة حيث أكدت نظرة الفلاسفة إلى العلية وما أن بدأ القرن الحالي حتى أخذ "براتراند رسل" يناقش المسالة بصورة دقيقة على مدى نصف قرن من الزمان، وانتهى إلى مزج النظرة الفلسفية بالنظرة العلمية. ثم اتضحت الصورة أخيراً حين اتجه العلماء إلى صياغة قوانين العلمية صياغة احتمالية إما بصورة رياضية أو منطقية أو فيزيائية.وأما المشكلة الثانية فهي مشكلة القانون العلمي والنظرية، وهذه المشكلة ترتبط بأواصر صلة بالعلي’، ذلك أنه نظر للقوانين العلمية في بادئ الأمر على أنها قوانين علية، وبالتالي فهي تعبر عن علاقات ضرورية، لكن نقد هيدم وتشكيكه في المسألة أدى غلى رفض وجهة النظر الكلاسيكية وقبول الأساس التجريبي كمحدد لقوانين الطبيعة، وتحت تأثير هذه الوجه من النظر نشأ التيار الوصفي العلمي، فناقش "أوجست كونت" فكرة القانون ويجد بها من الحالة اللاهوتية والميافيزيقية إلى الحالة الوضعية.ثم جاء "أرنست ماخ" ووضع المسألة وصفاً علمياً، وربط هنري بوانكاريه المسالة بالتعميم من ملاحظات الخبرة ثم شهدت المشكلة تطوراً هاماً حيت فرضت الوضعية المنطقية الطابع الفردي الشخصي على القوانين العلمية وفقاً لما يراه "نيراث" في قضايا البرتوكول وقد تم مناقشة موقف الوضعية المنطقية تفصيلاً، خاصة من مبدأ التحقيق، واتبع هذا الموقف بنقد "كارل بوبر" للوضعية، وتمييزه بين العلم واللا-علم، وثقته في مبدأ قابلية التكذيب بدلاً من قابلية التحقيق ثم اتبع هذا بإشارة موجزة إلى موقف توماس كون فيلسوف العلم المعاصر الذي أنكر التحقيق والتكذيب معاً.وأخيراً تم عرض العلاقة النظرية بالواقع من خلال مناقشة آراء "كارناب وماكس بلانك واينشتين" وما تكشفه المناقشات التي دارت في هذا الفصل إلى لالتقاء بين الفلسفة والعلم حدث في موقع آخر جديد بالإضافة إلى العلية،و الفصل الثالث والأخير يعرض بالتفصيل فلسفياً وعلمياً لمشكلة الزمان والمكان باعتبارها من أهم المشكلات في الأنساق العلمية والفلسفية المختلفة. وقد جاء التحليل في هذا الفصل من خلال نظرة تكاملية عرض فيها للمواقف الكلاسيكية والمواقف العلمية الحديثة، واتبع كل هذا بمناقشة نظرية النسبية الأينشتينية. وما تثبته هذه المناقشة أن الأفكار والآراء الفلسفية أسهمت إسهاماً رائعاً في إثراء النقاش والنظريات العلمية ووفقاً لها تطورت الدراسات العلمية وأحرزت نتائج هامة في المجال التطبيقي.