يرى دارسو السياب ونقاده أنه هو المستكشف الأكثر اقتداراً وجرأة للقصيدة الجديدة، والأكثر أهمية في المرحلة الأولى من حركة الحداثة "وهو الشاعر الذي توصف تجربته الشعرية بالفرادة، سواء في مضمونها، أم في الشكل التعبيري الذي اتخذته، فقد استطاع أن يجدد الشعر العربي بطريقة لم تسمح له أن يقطع صلته بالماضي، وفي الوقت نفسه لم تمنعه من أن يكو...
قراءة الكل
يرى دارسو السياب ونقاده أنه هو المستكشف الأكثر اقتداراً وجرأة للقصيدة الجديدة، والأكثر أهمية في المرحلة الأولى من حركة الحداثة "وهو الشاعر الذي توصف تجربته الشعرية بالفرادة، سواء في مضمونها، أم في الشكل التعبيري الذي اتخذته، فقد استطاع أن يجدد الشعر العربي بطريقة لم تسمح له أن يقطع صلته بالماضي، وفي الوقت نفسه لم تمنعه من أن يكون ذا علاقة بالحاضر. وإذا ما قيل أن شعره هو الذي وضعه على المسرح الزماني والمكاني إنساناً وشاعراً وذلك ما أفصح عنه من فهم للعالم بهدف تغييره من خلال تحقيق اليقظة الروحية فيه بالشعر ومن خلال الشعر... فإن كتاباته الأخرى جاءت غير بعيدة عن مثل هذا النزوع ومؤكدة له. وإذا كانت هذه "الرسائل" التي توصل مؤلف هذا الكتاب إلى جمعها وترتيبها على هذا النحو الذي تظهر فيه، تمثل الجانب الأكبر من كتاباته خارج الشعر، فإنها من جانب ثانٍ، في العمق من "موضوعه" تجربة ورؤيا وموقفاً شعرياً وإنسانياً، فهي تمثل أصدق وأجلى تمثيل "موقفه الوجودي"، وتطورات هذا الموقف، بكل ما تداخل فيه/أو كان له من تطورات، أو عرف من تغيرات وتبدلات حملتها، وعبرت عنها هذه "الرسائل" التي تغطي فترة زمنية من حياته تمتد من "البدايات الأولى" لتنتهي مع أيامه الأخيرة.وهي تروي، وتنقل، عن النفس والواقع، أكثر من اتجاهها إلى التحليل والابتكار، وكأنه، في كثير من نثره، وفي هذه الرسائل أساماً، يدعونا إلى التفكير به شاعراً، فلا نضعه خارج نطاق الشعر، فحقيقته الأكبر والأهم هي شعره، وفي هذا الشعر. ويمكن توزيع هذه الرسائل على مراحل ثلاث: الرسائل الأولى تمثل ما يمكن وصفه بـ"مرحلة البراءة" وفيها يظهر السيّاب ذلك الشاعر الباحث عن موقع له في الشعر والحياة، الماشي وراء أحلامه أو أوهامه، لا فرق، المركز جهده وطاقته في "صور تعبيرية تستوعب أجواء مراهقته، وتعكس إحساساته. وهناك الرسائل التي تمثل "مرحلة النضج" بما يسودها من فكر واضح وموقف شعري معزز بنظرية قومية كان مفهومها قد تبلور في عديد من قصائد هذه المرحلة. وهناك رسائل "مرحلة المرض" التي تعكس صورة أخرى للمعاناة المأساوية التي عاشها والتي سيجد القارئ الكثير من تفاصيلها، وملابساتها أيضاً، وهي تكتسب تعبيرها الواضح والصريح وقد وضعها المؤلف في تسلسلها الزمني ليتمكن القارئ من قراءتها في مسارها الزمني الذي كتب فيه، بما تمثل من تطور في الرؤية والموقف أو تؤشر في حدود العلاقة وآفاقها-إن بالأشخاص أو بالأحداث.