من المؤكد أن الثورات المذهلة وغير المنقطعة التي تشهدها الإنسانية اليوم في مجال الاتصال، وفي مجال القدرة على إنتاج ومراقبة أنظمة اتصالية جديدة لنقل المعلومات وجمعها ونشرها وتبادلها وتخزينها على صعيد كوكبي، يمثل طفرة غير مسبوقة أخذت تحدث تبدّلات عميقة في شروط الوجود الإنساني سواء بالنسبة للحياة الفردية أم بالنسبة للحياة الجماعية، ...
قراءة الكل
من المؤكد أن الثورات المذهلة وغير المنقطعة التي تشهدها الإنسانية اليوم في مجال الاتصال، وفي مجال القدرة على إنتاج ومراقبة أنظمة اتصالية جديدة لنقل المعلومات وجمعها ونشرها وتبادلها وتخزينها على صعيد كوكبي، يمثل طفرة غير مسبوقة أخذت تحدث تبدّلات عميقة في شروط الوجود الإنساني سواء بالنسبة للحياة الفردية أم بالنسبة للحياة الجماعية، ذلك أن التغيرات التي تجري في كامل النظام الاتصالي تمارس تأثيرات نوعية ليس في الفكر والمعرفة الإنسانية فحسب، وإنما أيضاً في طرائق إنتاج هذا الفكر وما ينجم عنها من عقليات وسلوكيات وأنظمة حياتية متكاملة.من خلال استخدام ((النظرية الانتقالية)) التي تفسّر التاريخ البشري عبر مراحل مميزة للتطور الاتصالي الإنساني، يسلط هذا الكتاب الضوء على ما تعتقد المؤلفة أنه يمثل أحد أهم ما أفرزته التقانيات المعلوماتية الجديدة ألا وهو ذلك التحول الجذري الذي طرأ على أسس وقواعد التعاطي مع النص، والذي أوجد كيفيات جديدة كشفت، بصورة ملموسة ومتجلية، عن أن النص لم يكن قط نصاً أحادياً وإنما هو دوماً، في جوهره، نص ممنهل يمتلك جملة من الخصائص شأنها أن تحدث انقلاباً عميقاً في أنظمة إنتاجه وفي منهجيات فهمه وتفسيره وتأويله وسبر المغزى الثاوي في بنياته المتاهية.من هنا تنبع أهمّية هذا التحوّل في مقاربة النص بالنسبة لعالم عربي وكون إسلامي يشكّل القرآن الكريم مرجعيّتهما العليا والمطلقة، ذلك أن هذا الانقلاب النوعي الذي أحدثته تقانيات المعلوماتية الجديدة في عمليات إنتاج الفكر والثقافة قابل لفتح آفاق رحبة، ليس فقط فيما يتعلّق بآليات ومناهج قراءة النص الإلهي، وإنما أيضاً وخاصة في إمكانية إزالة تناقض مصطنع وتعارض إشكالي بين صلاحيّة هذا النص لكل زمان ومكان وبين مقاربته بوصفه نصاً أحادياًالحقيقة أن أزلية القرآن الكريم لا يمكن أن تكمن ولا يمكن أن تتحقّق، ولا يمكن أن تتجلّى، في المستوى العقلي، إلاّ في نصّيته الممنهلة. وهو أمر يجسّد المشيئة الحقيقية لمبدع هذا النص الذي أراد له أن يكون خاتمة النصوص المقدّسة.