الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام الاقتصاديين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فإن المال شريان الحياة التنموي المادي ، كما أن الشريعة شريان الحياة الروحي وللمال في نفس الإنسان حظوة وشره فإذا لم ينضبط بميزان الشرع فإنه يصل بصاحبه إلى درجة السعار لأن حب الإنسان للمال يسري في جسده سريان الدم في العروق حيث يقول...
قراءة الكل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام الاقتصاديين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فإن المال شريان الحياة التنموي المادي ، كما أن الشريعة شريان الحياة الروحي وللمال في نفس الإنسان حظوة وشره فإذا لم ينضبط بميزان الشرع فإنه يصل بصاحبه إلى درجة السعار لأن حب الإنسان للمال يسري في جسده سريان الدم في العروق حيث يقول الله تعالى في هذا الشأن (وإنه لحب الخير لشديد) (العاديات 8) وقوله أيضاً: (وتحبون المال حبا جما)( البقرة 274) . من هذا المنطلق تنافس الناس في تحصيل هذا المال سعياً حثيثاً، غير أن صحة هذا السعي أو فساده مرهون بحسن القصد والمورد فيه أو بكلاهما، فالمال سلاح ذو حدين فهو لأهل الإسلام وحسن القصد به نعمة (الذين ينفقون اموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (البقرة 274) وهو لأهل الكفر حسرة وبلاء مهما تعددت مصادره يقول تعالى(ولا يحسبن الذين كفروا أنما نُملي لهم خير لأنفسهم إنما نُملي لهم ليزدادوا إثما) (آل عمران 178) . إن مما يدل على أهمية المال في حياة الأفراد وروده في القرآن مدحاً وذماً في أكثر من ثمانين موضعاً. إن الشريعة الإسلامية جاءت حاضة على عمارة الأرض وتنميتها اقتصادياً بما يكون عونا على أداء حق الله فيها فمن هذا الباب يقول " إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها (الأدب المفرد 1 / 168 رقم 479). من هنا حرص الإسلام على تقديم ضمانات وركائز لتحقيق هذه التنمية الاقتصادية واستمرارها ومن أبرزها تحقيق الاستقلال الاقتصادي للمجتمع المسلم ليكون قائداً لا منقاداً ومتبوعاً لا تابعاً. إن الاستقلال الاقتصادي يعني بداهة نفي التبعية للأجنبي وبالتالي سيطرة المجتمع المسلم على مقدراته الاقتصادية دون تدخل الأجنبي لأن فقدان المجتمع المسلم السيطرة على مقدراته الاقتصادية مقدمة لفقدانه من السيطرة السياسية والعسكرية والثقافية والاجتماعية. إن الأمة الإسلامية في هذا العصر تكتوي بلهيب من الفوضى الاقتصادية، كما تعيش فساداً اقتصادياً يتسلل بين الحين والآخر عبر منافذه الرئيسة في المجتمعات المسلمة وهي منافذ التسلل الفردي والمؤسسي المنظم، وإن اتساع مثل هذه النافذ كفيل بالتخلف الذريع في السوق المالية والنمو وضعف فادح بالاقتصاد. إن كثيراً من الدراسات الحديثة تؤكد وجود علاقة عكسية بين الفساد الاقتصادي والنمو، فالأمة الإسلامية لو أخذت بالمعنى الحقيقي للاقتصاد الإسلامي لما حادت عن الطريق السليم ولما عاشت فوضى التخبط والجري وراء المغريات المالية من خلال التهافت على البورصات والمرابحات الدولية التي لم تحكم بالأطر الشرعية. إن التقدم الحقيقي في دراسة الاقتصاد إنما يأتي في الدرجة الأولى من خلال ربطه بالقيم والمبادىء الإسلامية، والاحتفاظ له بالصبغة التي أرادها الله، ومما يدل على ما ذكرناه بأن الإسلام ينظر إلى النشاط الاقتصادي المتعلق باستخدام الملكية والتصرف فيها على أنه محدد بشرع الله قال تعالى: (يأيها الذين ءامنو اتقو الله وذروا ما بقي من الربوا إن كنتم مؤمنين 278 فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تُبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون) (البقرة 178 ــ 279) بل أوضح النبي ما يدل على أن فساد حال المسلمين وذلهم وضعفهم وتمكن عدوهم منهم بسبب ما يرتكبونه من مخالفات في مجال السوق المالية فقد قال " إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد أدخل الله عليهم الذل لا ينزعه منهم حتى يراجعوا دينهم (المعجم الكبير 12 / 433 رقم 13585.). إن الاقتصاد الإسلامي يحتاج في نهوضه من كبوته إلى جهود المخلصين من العلماء المتخصصين ومساهمتهم الجادة في إيجاد المفتاح الذهبي للاقتصاد الإسلامي الصحيح. إن التطبيقات المعاصرة في المؤسسات المالية الإسلامية في مجال المصارف والتأمين لفي حاجة إلى إدراك المجتمعات والحكومات والسلطات الرقابية لقيمتها والأثر الإيجابي في دعمها وتوجيههما، وإذا ما أردنا إذكاء مثل ذلك النشاط الاقتصادي فعلينا جميعاً أن لا نهمل عنصرين مهمين في هذا الميدان وهما الزكاة، والوقف إذ بهم يتحقق الدعم اللامحدود لتحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي للأمة.