إن أي أدب يمتلك شاعرا مثل هوميروس وحده أو سوفوكليس أو أريستوفانيس أو حتى كاتبا ناشرا مثل أفلاطون أو أرسطو أو قل خطيبا مثل ديموسثنيس أو مؤرخا مثل هيرودوتوس أو ثوكيديس، أي أدب يمتلك واحدا فقط مثل هؤلاء المؤلفين قمين بأن يصبح أدبا عالميا وإنسانيا خالدا. فما بالنا بالأدب الإغريقي الذي يضم بين مؤلفيه جميع هؤلاء الأدباء؟ بل ماذا كان س...
قراءة الكل
إن أي أدب يمتلك شاعرا مثل هوميروس وحده أو سوفوكليس أو أريستوفانيس أو حتى كاتبا ناشرا مثل أفلاطون أو أرسطو أو قل خطيبا مثل ديموسثنيس أو مؤرخا مثل هيرودوتوس أو ثوكيديس، أي أدب يمتلك واحدا فقط مثل هؤلاء المؤلفين قمين بأن يصبح أدبا عالميا وإنسانيا خالدا. فما بالنا بالأدب الإغريقي الذي يضم بين مؤلفيه جميع هؤلاء الأدباء؟ بل ماذا كان سيصبح الحال لو أن نتاج الأدب الإغريقي قد وصل إلينا كاملا؟ فمما يبعث على الأسف حقا أن الغالبية العظمى من كتابات الإغريق الأدبية قد فقدت، وما تبقى لنا منها لا يعدو أن يشكل نسبة ضئيلة للغاية. نضرب على ذلك مثلا بشعراء الثالوث التراجيدي الخالد أيسخولوس وسوفوكليس ويوريبيديس. فلقد عزى إليهم مجتمعين ما لا يقل عن ثلاثمائة مسرحية - وهذا ما سيتحقق منه القارئ بنفسه في الباب الثالث حيث سنورد قوائم بأعمال هؤلاء الشعراء الموجودة والمفقودة - ولم يصل إلينا كاملا من هؤلاء الشعراء الثلاث سوى ما يزيد قليلا على الثلاثين مسرحية. وبعبارة أخرى فإن نسبة ما وصلنا إلى مجمل نتاج هؤلاء الشعراء الثلاث ليست سوى العشر تقريبا!. وإذا أضفنا إلى ذلك الأعداد الهائلة لأسماء شعراء تراجيديين آخرين سمعنا بهم ولم تصلنا منهم سوى شذرات متفرقة أو لم يصلنا منهم شيء البتة لأمكننا القول بأن ما وصلنا من نتاج المسرح الإغريقي التراجيدي ككل لا يعدو الفتات المتبقي من مائدة كانت ضخمة وحافلة.