لقد أخرج الإمام البخاري – رحمه الله – بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (كُلُّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانهِ أو ينصرانهِ أو يُمجسانِه، كمثل البهيمة تُنتج البهيمة، هل ترى فيها من جدعاء؟).يشير هذا الحديث الشريف إلى أنه ما من مولود إلاَّ وهو في الأصل على الملّة، -أي على دين الحق – وهو دين الإسلام الحنيف.كما...
قراءة الكل
لقد أخرج الإمام البخاري – رحمه الله – بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (كُلُّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانهِ أو ينصرانهِ أو يُمجسانِه، كمثل البهيمة تُنتج البهيمة، هل ترى فيها من جدعاء؟).يشير هذا الحديث الشريف إلى أنه ما من مولود إلاَّ وهو في الأصل على الملّة، -أي على دين الحق – وهو دين الإسلام الحنيف.كما ذكر ذلك عامَّة السلف، وهو ما أَجمع عليه أَهل العلم بالتأَويل، فالله – تبارك وتعالى – خلق عباده حنفاء كُلُّهم، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم، والفطرة مقتضية لقبول الحق واتباعه، ومعرفة الإسلام ومحبته..ومن هنا أوجب هذا الدين العظيم – من خلال آيات الذكر الحكيم وأحاديث النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – على الوالدين والمربين القيام بتوجيه الأبناء نحو سُبل الحق والخير والرشاد، وتعليمهم ما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم، وأوصاهم باغتنام تلك الفترة الحساسة من سني أعمارهم التي تتشكل فيها المعالم الأساسية لشخصيتهم، وهي مرحلة طفولتهم، حيث تكون النفس البشرية مرنة قابلة لكلِّ شيء، منفعلة بكلِّ أثر، إذ إنَّها وقتذاك كالصفحة البيضاء الخالية من كُلُّ نقشٍ وصورة، ولكنها على الفطرة السليمة والبراءة الطاهرة.وفي الحديث النبوي الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (علِّموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين، واضربوه عليها ابن عشر)إذن؛ من الواجب علينا العمل على تنشئة الأبناء التنشئة الصالحة، وتربيتهم التربية السوية، وذلك عن طريق حُسنِ صلتهم بربهم – جلّ جلاله – وغرس معاني التقوى والفضيلة في نفوسهم وأرواحهم، وتعاهدهم بالموعظة والنصيحة، حتى تصبح معاني الخير سجية لهم، ومَعْلماً أصيلاً لشخصيتهم، ومن ثمَّ تتقوَّم لديهم كافة النواحي الفكرية والسلوكية والخُلقية والاجتماعية وحتى النفسيّة والانفعالية.ولعلَّ علماء هذه الأمّة – المتقدمين منهم والمتأَخرين – لم يألوا جهداً في بذل كُلِّ ما بوسعهم في القضايا التربوية بالتأليف والتدريس وغير ذلك لإخراج جيل رباني قرآني، يعمل على تكريس الدين في حياته وواقعه، غير أنَّ الضعف والتقصير من طبيعة البشر.لذا أحببت أن أكتب في هذا المجال مستفيداً من خبرات من سبقني، ومستدركاً بعض الأشياء التي فاتت بعضهم، ولاسيما مع تطور المناهج ووضع الخطط الحديثة لطلبة الكليات والجامعات في مختلف البلدان، وقد انتهجت في كتابي هذا الخطة المعتمدة لمادة "تربية الطفل في الإسلام" المعُدَّة من قبل جامعة البلقاء التطبيقية لطلاب الشامل في الكليات الجامعية، وبذلت – ولله الحمد والمنَّة – كُلِّ جهدٍ وجدَّية في البحث والتحقيق والتحليل والتمحيص والجمع والإعداد لمعظم جوانب التربية الإسلامية مُدِّعماً بحثي هذا بالنصوص الشرعية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وسير السلف الصالح وآراء المفكرين والتربويين من ذوي الخبرة والاختصاص من المسلمين الأوائل الذين أثروا معلوماتنا وقدَّموا لنا الكثير الكثير من العلوم والمعارف المنَّوعة، فجزاهم الله عنا خير الجزاء.