أبان الله تعالى في كتابه العزيز عن شمولية أحكام القرآن لجميع مناحي الحياة فقال - عزَّ وجلَّ - ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنعام: 38]. فاحتوى القرآن على القواعد، والتوجيهات التي ...
قراءة الكل
أبان الله تعالى في كتابه العزيز عن شمولية أحكام القرآن لجميع مناحي الحياة فقال - عزَّ وجلَّ - ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنعام: 38]. فاحتوى القرآن على القواعد، والتوجيهات التي من شأنها إقامة حياة كريمة مستقرة، تنتظم بها جميع العلاقات، بين الله وخلقه، وبين الخلق بعضهم بعضاً. وقد قامت دولة الإسلام في المدينة المنورة، وتوثقت دعائمها بتتابع نزول آي الذكر الحكيم، تصحح الأخطاء، وتعالج الأدواء، وتجيب على تساؤلات السائلين، وتضع معالم المجتمع المسلم، وتشَكِّل ملامح دولة الإسلام، ونظامها الحاكم، وما يجب أن تكون عليه، فوضع القرآن الأسس، والقواعد والتوجيهات العامة، وترك المجال رحباً واسعاً للمسلمين في التفاصيل، والدقائق، يجتهدون فيها ويعملون بما فيه مصلحتهم، ويوافق زمانهم ومكانهم، وفق المبادئ الإسلامية من الكتاب العزيز والسنة المطهرة. وتتابعت أعوام وقرون على المسلمين، تعلوهم فيها أحكام القرآن العظيم، ويهتدون بشعائر وشرائع الإسلام، وسادوا البلاد، وشادوا الممالك، وحكموا العباد، فملأوا الأرض عدلاً وعلماً، ثم دبَّ فيهم الوهن، وحب الدنيا، فانحسرت حضارتهم، وضعفت قوتهم، وغزاهم عدوهم عسكرياً، فاحتل البلاد، وانتهب الثروات، لسنين وسنين، ولكن ظلت الأمةُ متمسكةً بدينها، تعتز به، وتستميت من أجله، حتى أيقن أعداء الأمة الغزاة أنه لا نصر لهم، ولا سيادة، بدون تنحية كتاب الله عن حياتهم، وصرف الناس عن تعاليمه، وتوجيهاته، فعمدوا - خبثاً ودهاءً – للغزو الفكري، والثقافي، فنقَّبوا، وفتَّشوا، وزوَّروا، ودلَّسوا، وقدموا وأخروا، ورفعوا وخفضوا، حتى غدا أمر الأمة ملتبساً، وحالها في التيه والغواية مرتكساً. وكان أعظم ما حلَّ بالأمة تنحية كتاب الله - تعالى - من الحكم بين الناس، واستبدال القوانين الوضعية المستوردة من أوروبا بالشريعة الربانية؛ فنشأت أجيال لا تعرف سوى اسم الإسلام، وشيء من تعاليمه قليل. لهذا، وانطلاقاً من إيمان الأمة العميق بكتاب ربها الهادي لأقوم العقائد والأخلاق كما في قوله سبحانه ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9]. وانطلاقاً من كون هذا الكتاب العزيز هو دستور الأمة، ومرجعها الشافي الكافي لجميع حاجاتها على مر الأيام، يأتي هذا البحث لاستخراج وبيان صور الإعلام السياسي في القرآن الكريم، تأتي كخطوة دعم لإخواننا الطامحين لخدمة الإسلام والمسلمين، وبمثابة بيان لمنهج قرآني تنبني عليه خطوات الأمة ، وتحدد على أساسه خططها، وهو كذلك تصويب ورعاية لهذه المسيرة الإعلامية السياسية المتجددة التي نتمنى لها التقدم والترقي حتى يعم بها النفع وينتشر بها الخير، ويندفع بها الفساد والشر. والله من وراء القصد، لا رب سواه .......