مع تنامي الاهتمام بمقاصد الشريعة وكثرة الكلام عنها والاستمداد منها والتعلق بها في هذا العصر، تتنامى كذلك الحاجة إلى الترشيد والتسديد لهذه الحركة المقاصدية، حتى تحقق مقاصدها وفوائدها ولا تحيد عنها.من جهة أخرى أخذت الدراسات المتعلقة بمقاصد الشريعة تتميز وتتخذ شكل عِلم أو تَخصص علمي مستقل. ومن هنا أيضا أضحت الحاجة ملحة لبيان الفوائ...
قراءة الكل
مع تنامي الاهتمام بمقاصد الشريعة وكثرة الكلام عنها والاستمداد منها والتعلق بها في هذا العصر، تتنامى كذلك الحاجة إلى الترشيد والتسديد لهذه الحركة المقاصدية، حتى تحقق مقاصدها وفوائدها ولا تحيد عنها.من جهة أخرى أخذت الدراسات المتعلقة بمقاصد الشريعة تتميز وتتخذ شكل عِلم أو تَخصص علمي مستقل. ومن هنا أيضا أضحت الحاجة ملحة لبيان الفوائد المتوخاة والأهداف المبتغاة من وراء معرفة المقاصد ونشر الثقافة المقاصدية، أي بيان مقاصد هذا العلم وما يقدمه من ثمرات وما يسده من ثغرات.فهذا وذاك هو ما أعنيه بعنوان هذا الكتاب: (مقاصد المقاصد).وفي هذا السياق تتعين كذلك الإجابة عن عدد من التخوفات والتساؤلات المثارة حول هذا “المد المقاصدي” وأغراضه ومآلاته، وحول تأثيراته على استقرار الأحكام والثوابت الشرعية، ومنظومتها الفقهية الأصولية.فهناك تساؤلات متوجسة يعبر عنها كثير من الغيورين على الدين وشريعته وفقهه. ومبعث تلك التساؤلات قد يكون مجرد نفسية الركود والسكون التي تبعث عادة على الحذر والنفور من كل ما يبدو جديدا ومغايرا، وقد يرجع ذلك إلى الريبة المشروعة التي يثيرها بعض الخائضين في مقاصد الشريعة المتحمسين لها بلا حدود.من تلك التساؤلات ما يلي:- هلِ اتِّباع المقاصد والتعليلُ بها، سيعيد تفسير النصوص والأحكام الشرعية على نحو جديد مغاير لما عهدناه وورثناه؟- هل مراعاة المقاصد سيؤدي إلى تجاوز النصوص الشرعية والتفلت من سلطانها، اكتفاء بالمقاصد والمصالح، كما نجد اليوم عند بعض الكتاب والمفكرين والمفتين المقاصديين؟- هل الدعوة إلى الاجتهاد المقاصدي تعني إلغاء اجتهادات العلماء السابقين؟- هل عامة الناس أيضا بحاجة إلى تعريفهم بالمقاصد وإقحامهم فيها؟ وهل هم قادرون على استيعابها والتعامل السليم معها؟- أليس هذا مجردَ بلبلة وتشويش لهم في دينهم؟ أليس هذا خروجا عن قصد التعبد بالأحكام الشرعية والتسليم لها كما هي، دون سؤال أو تعليل؟- وإذا كان المسلم ملتزما بتكاليفه الشرعية على نحو ما جاءت به نصوص الشريعة وبيَّنَه الفقهاء، فماذا ستزيده هذه المقاصد في دينه وتدينه؟- وإن قيل إن المقاصد لا تغير من أحكام الشريعة شيئا، فلماذا كل هذا العناء والادعاء؟ أليس في النصوص كفايةٌ وغُنيةٌ عما سواها؟