الإسْلامُ دِينُ فَضِيلَةٍ وَرَحْمَةٍ، جَاء لِيُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأخْلاقِ للإنْسَانِ، وَيخَلصهُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الإنْسَانِ للإنْسَانِ، وَمِنْ ظُلْمِ نَفْسِهِ، وَظُلْم مَنْ يَحكمُه. يَقْتَلِع الرَّذَائِل مِنْ جُذُورِها، وَيَقْمَع الشَّرّ فِي مَكامِنه، وَيُحَرِّم الإبَادَة وَالْقَتْل وَالتَّعْذِيب مِنْ أَسَاسَه، وَيفَتت عَوَامِ...
قراءة الكل
الإسْلامُ دِينُ فَضِيلَةٍ وَرَحْمَةٍ، جَاء لِيُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأخْلاقِ للإنْسَانِ، وَيخَلصهُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الإنْسَانِ للإنْسَانِ، وَمِنْ ظُلْمِ نَفْسِهِ، وَظُلْم مَنْ يَحكمُه. يَقْتَلِع الرَّذَائِل مِنْ جُذُورِها، وَيَقْمَع الشَّرّ فِي مَكامِنه، وَيُحَرِّم الإبَادَة وَالْقَتْل وَالتَّعْذِيب مِنْ أَسَاسَه، وَيفَتت عَوَامِل التَّمْيِيز بأشْكَالِهِ، ويُحَرِّر الإنْسَان مِنْ عِقَالِ التَّخَلُّفِ وَالْعُبُودِيَّةِ. وَلِكَيْ يَدْخُلُ الإنْسَانُ بَابَ الرَّحْمَةِ وَالعَمَلِ الإنْسَانيِّ، حَدَّدَ الإسْلامُ الْحُقُوقَ وَالْوَاجِبَاتِ، فَكُلُّ فَرْدٍ يَعْرِف مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ، فَيَقِف فِي الحُدُودِ الْمَرْسُومَة لَهُ دُون تَجَاوُز، لا عَنِ طَرِيقِ إِعْلان عَالَمِيْ يَسترْحِم الظَّالِم اللُّطْف بضَحِيتهِ، ويناشد الْمُسْتَكْبِر الْحَدّ مِنْ إِيغَالِه، وَيَرْجُو مِنَ الحَاكِم الْمُسْتَبِدّ التَّخْفِيف مِنَ الانْتِقَام برَعِيَّتهِ ، وَإِنَّمَا بتَشْرِيعِ رَباني حَدَّد الحُدُود وَمَنْع التَّجَاوُز ووَضَع الْعِقَاب الصَّارِم بِحَقِّ مِنْ تَجَاوَز عَلَى الإنْسَان فِي أَيِّ حَقّ مِنْ حُقُوقِه، وَشَرَّع الثَّوَاب عَلَى عَمِل الْخَيْر وَإِحْقَاق الْحَقّ، وَيُجَازِي عَلَى الإحْسَان بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَغَرْس الْقِيِّم وَالأخْلاق الْفَضِيلَة، وَترصِين ثَقَافَة التَّسَامُح بَيْنَ الْبَشَرِ، وَقَبُول الْآخِرِ بِصَرْفِ النَّظَر عَنِ جِنْسِه وَلَوْنِه وَأُصُولِه وَقَوْمِيَّتِه. وَالإسْلامُ شَرِيعَةٌ مُتَكاملةٌ جَاءَتْ مِنْ أَجْلِ إِنْقَاذ الْبَشَرِ مِنْ أَدْرَانِ الرَّذَائِلِ وَالْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ وَالرُّقَي بِهِ إِلَى الْقِيَمِ السَّمَاوِيَّةِ الْعُلْيَا، لِتُخَلِّصِ الإنْسَانَ مِنَ الظُّلْمِ والتَّعَسفِ. فَلَمْ تلغَ عَادَات وَقِيم العَرَب كُلُّهَا بَلْ ألغت السَّيِّئ مِنْهَا وَأبقت عَلَى مَا وَهُوَ جَيِّد. لِهَذَا جَاء الإسْلام لِيُتَمِّمَ مَكَارِم الأخْلاق، بأكمل صُوَرِهَا وَيُقُومُ شَخْص الإنْسَان عَلَى أَسَاسِ الْفَضِيلَةِ. فَقَدْ جَاءَ الإسْلامُ للحَدِ مِنَ الظُّلْمِ وَالتَّعَسُّفِ وَحِمَايَةِ الضَّعِيفِ، فَوَضَع القَوَاعِد الشَّرْعِيِّةَ لِحَيَاةِ الإنْسَانِ وَمَنْع الاعْتِدَاء عَلَيْهِ، وَتَنظِيمُ حَيَاتِهِ المَالِيَّة وَالاجْتِمَاعِيَّة، بِإِحْقَاق الْحَقّ وَإِقَامَة الْعَدْل. وَقَدْ رَفَعتْ الشَّرِيعَةُ الإسْلامِيَّةُ شِعَاراً كَبِيراً، مَفاده " الأمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَر " وَتِلْكَ القَاعِدَة تَعُدْ الإطار الَّذِي يَعْمَل الإسْلام مِنْ أَجْلِ تَحْقِيقِه. فَجَاء الإسْلام بالحُكْم الشَّرْعِيِّ الْوَاجِب الأتْبَاع، وَالعُقُوبَة الْمُتَرَتِّبَة عَلَى الْمُخَالَفَة، وَالْجِهَة الْقَضَائِيَّة الَّتِي تُحَدِّد الْمُخَالَفَة وتفرض العُقُوبَة. كَمَا جَاء بنِظَام الثَّوَاب لِيكرمَ كُلّ مِنْ يَعْمَلِ عَلَى الْقِيِّمِ الإنْسَانيَّةِ، وَيَرْحَم أَخاه الإنْسَان بِالْعَطَاءِ وَالْمَغْفِرَة وَالتَّسَامُح. وَإِذَا مَا تَصْفَحنَا الْقُرآَنَ الْكَرِيمَ، وَاسْتَعْرَضنَا الأحَادِيثَ النَّبَوِيَّةَ الشَرِيفَةَ، فإِنَّنَا نَجدُ أَنْ كُلَّ آيَةٍ وَحَدِيثٍ جَاءَت لحِمَايَةِ الإنْسَانِ، مِنْ ظُلْمِ السُّلْطَةِ، وَظُلْم الْآخَرِينَ، وَظُلْم نَفْسِه، بِمَا فِيهَا الْآيَات الخَاصَّة بالحَرْبِ أَوِ القِتَال، فَهِيَ مَحكُومة بالْفَضِيلَةِ وَالإنْسَانيَّة، وَمُحَدِّدَة بحَدِّودَها. وَتَعُدُ دَائِرَةُ الْعَدْلِ مِنْ أهمِّ الدَوائِرِ الَّتِي يَدُورُ الإسْلامُ فِي دَاخِلِهَا. فَالْعَدْل أَسَاس المُلك وَأَسَاس الحَيَاة الْبَشَرِيَّة وَالتَّعَامُل بَيْنَ الْبَشَرِ. إِذْ نَظَّم الإسْلام عَلاقَة الإنْسَان بِرَبِّه، وَهَذِهِ العِلاقَة وَإِنْ كَانَتْ عَلاقَة بَيْنَ الْخَالِق وَالْمَخْلُوق، وَلَكِنَّهَا وُضِعَتْ لإدَامِة العِلاقَة بَيْنَ الإنْسَان وَالإنْسَان، فالصَّلاة تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر. وَهَكَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَاتِ الأخْرَى، فًجَمِيعها لإسْعَادِ الإنْسَان وَالرَّحْمَة بِهِم. فَلا حَقّ دُون عَدْل، وَلا عَدْل دُون أَنْ يَحمي الْحُقُوقَ. وَمِنْ أَجْلِ أَنْ نَضَع قَوَاعِد حُقُوق الإنْسَان فِي الإسْلام، فِي مَوْقِعِهَا الْحَقِيقِيّ، يَتَطْلَّب مِنَّا مقارنتها مَعَ قَوَاعِد حُقُوق الإنْسَان الْمُعَاصِرَة، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مقارنة مَعَ الفارق، لَكِنَّهَا تُوَضِّح الْبَوْنَ الشَّاسِعَ بَيْنَ مَا وَضَع الإسْلام مِنْ قَوَاعِد تنظم العِلاقَة بَيْنَ الْحَاكِم وَالْمَحْكُوم، وَجَعَلَت الأوَّلُ فِي خِدْمَة الْآخِرِ، وَمَا أنتجه الْغَرْب مِنْ قَوَاعِد كَانَتْ مِنْ نِتَاج الصِّرَاع بَيْنَ الْحَاكِم وَالْمَحْكُوم. وَمِنْ الْمُؤَكِّد أَنَّ الإسْلام نِظَام متكَامِل لَهُ مُصْطَلَحَاته الخَاصَّة بِهِ، الَّتِي تَخْتَلِف كُلِّيًّا عَنِ مُصْطَلَحَاتِ حُقُوقِ الإنْسَانِ الْمُعَاصِرَةِ، وَلكِنْنَا سَنَسْتَعْمِل الْمُصْطَلَحَاتَ المُطَبَّقَة حْالِياً مِنْ أَجْلِ تَقْرِيبها مِنْ ذهن القارئ الَّتِي تَعَوَّد عَلَيْهَا، لِتَكُون المُقَارَنَة بَيْنَ النِّظَامِيَّن مُؤَدِّيَة لأغْرَاضِها، وَوَاضِحَة الْمَعَالِم وَالأهَدَاف.