ستفاق أهل عامودا، البلدة الكردية السورية الصغيرة المرمية بقياس هندسي دقيق جنوب حرائق التاريخ بفرسخين والمتكئة بحزن على وسادة محشوة بقهقهة الجغرافيا، صباح آخر جمعة من يونيو حزيران 2013 على مشهد مرعب لم يروا مثله من قبل: كانت مئذنة المسجد الكبير تقطر دمًا من كوىً متطاولة صغيرةٍ بَدَت كجراح نبتت للتو في تلك القامة الرشيقة التي كان ...
قراءة الكل
ستفاق أهل عامودا، البلدة الكردية السورية الصغيرة المرمية بقياس هندسي دقيق جنوب حرائق التاريخ بفرسخين والمتكئة بحزن على وسادة محشوة بقهقهة الجغرافيا، صباح آخر جمعة من يونيو حزيران 2013 على مشهد مرعب لم يروا مثله من قبل: كانت مئذنة المسجد الكبير تقطر دمًا من كوىً متطاولة صغيرةٍ بَدَت كجراح نبتت للتو في تلك القامة الرشيقة التي كان صوت الأذان المنسرب منها فيما مضى يسكب الطمأنينة في قلوب المؤمنين كما في قلوب صعاليك البلدة ومرابيها ومجاذيبها وشعرائها الكسالى والنزقين وحتى حَمَامها الذي كان غائبًا تمامًا عن المشهد الدامي صباح ذلك اليوم الحزيراني.تحلق الناس أسفل المئذنة النازفة وقد أعاد هولُ ما رأوه خلقَ ملامحهم على هواه، كانت كل الوجوه متجهة إلى أعلى ترنو إلى الدم البهي سائلاً على الجدران الصفراء الباهتة للمئذنة التي يعلوها هلال فضي مفتوح صوب السماء الخرساء كفم ينذر بكارثة.سال الدم أولًا ببطء شديد على شكل خيوط حمراء تنسدل من الأعلى ثم ما لبثت الخيوط أن بدأت تثخن وتثخن وتدفق الدم إلى أن غطى جدران المئذنة كلها حتى سمع الناس صوتَ الدفق بأفواه فاغرة تحاكي هلال المئذنة الأخرس.كان ذلك دفقًا ذكَّر الفحولَ من المحتشدين بما أراقته أحاليلهم من المني المستعجل ليلة البارحة في أرحام ضجيعاتهم المستكينات بعد أن أراق الأشاوس دماء عشراتٍ تظاهروا مساءً لإطلاق سراح زملاء لهم فقضى أربعة منهم على الفور بطلقات من مدافع الدوشكا التي خصصها خبراء السلاح لاختراق دروع الطائرات وليس البشرات الآدمية الغضة.والأشاوس لقب أسبغه حاكم الديار السورية على حلفائه من بعض الكُرد الذين حموا ظهره وكبحوا جماح الشباب في الشمال كي لا ينخرطوا في المعمعة الثورية ولا يلقوا حطبًا في نارها فتزداد ضرامًا على ضرام. إنه لقب عربي اختلط بتسمية كردي لميليشيا شكلوها وسموها أسايش بمعنى الأمن اقتباسًا من إقليم كردي محاذٍ لإقليم الموت الذي دشنه هؤلاء ووضعوا حجر أساسه في عامودا.