لقد أدت التطورات التي حدثت في النشاط الاقتصادي والتجاري وبما تزامن معها من تطورات في بعض المجالات الأخرى كالاتصالات والتكنولوجيا إلى حدوث تغييرات كثيرة في نظام المعاملات التجارية الأمر الذي جعل من الضروري إخضاع هذه المعاملات إلى تنظيم قانوني متميز هو القانون التجاري.ولعل أهم ما يميز هذا التنظيم القانوني هو استئثاره بخصائص تهدف إ...
قراءة الكل
لقد أدت التطورات التي حدثت في النشاط الاقتصادي والتجاري وبما تزامن معها من تطورات في بعض المجالات الأخرى كالاتصالات والتكنولوجيا إلى حدوث تغييرات كثيرة في نظام المعاملات التجارية الأمر الذي جعل من الضروري إخضاع هذه المعاملات إلى تنظيم قانوني متميز هو القانون التجاري.ولعل أهم ما يميز هذا التنظيم القانوني هو استئثاره بخصائص تهدف إلى تنشيط التجارة وتشجيعها عن طريق إعطاء اكبر قدر ممكن من المرونة لقواعد هذا القانون وذلك بتخليصها من الشكليات المعمول بها في القانون المدني، ويبدو هذا جلياً فيما يختص بقواعد الإثبات والتضامن والتقادم ومواعيد التنفيذ والأوراق التجارية وغيرها.وتظهر أهمية الأحكام المتعلقة بالأوراق التجارية في مدى تأثيرها على النشاط الاقتصادي للمجتمعات من حيث اضطلاع هذه الأحكام في تحقيق المرونة المطلوبة للنشاط الاقتصادي وبعث الحياة فيه وتيسير سبل التبادل فيما بين التجار الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا بتوفير العناصر الرئيسية التي تعتبر بمثابة الشريان للحركة التجارية بحيث لا يمكن الاستغناء عنها والتي هي: السرعة والائتمان.فمن جانب، تعتبر الأوراق التجارية وسيلة مثالية لتحقيق الائتمان التجاري لكونها تتضمن حقوقاً آجلة تعطي المجال للتجار للتحرك بحرية اكبر وضمن مدى زمني واسع يتمكنون فيه من إبرام صفقاتهم التجارية وتنفيذها بما يتلاءم مع طبيعة هذه الصفقات وبالتالي تقوية مراكزهم المالية بحصولهم على الائتمان الذي يعتبر أساسياً لمزاولتهم أعمالهم، هذا بالإضافة إلى إمكانية الحصول على قيمة هذه الأوراق في أي وقت وذلك عن طريق خصمها لدى البنوك بحيث تقوم هذه الأوراق مقام النقود التي قد لا تكون متوفرة في أحيان كثيرة.ومن جانب آخر، تبدو المزايا التي توفرها الأوراق التجارية جلية وواضحة فيما يتعلق بالسرعة في إجراء المعاملات التجارية بحيث يتيح التعامل بهذه الأوراق انتقال الحقوق بين أطراف التعامل بيسر وسهولة وذلك عن طريق تداول هذه الأوراق بالطرق الخاصة بها وهي التظهير أو التسليم دون الاضطرار إلى إتباع الإجراءات المعتمدة في التعاملات المدنية والمتمثلة في حوالة الحق التي تحتاج إلى إجراءات وشروط خاصة تجعل من تداول هذه الاوراق مسألة صعبة وتحتاج إلى وقت طويل، فإذا أراد تاجر شراء بضاعة ما ولم يجد السيولة النقدية اللازمة فإنه يلجأ إلى سحب ورقة يقوم بتوقيعها ثم تسليمها للبائع الذي قد يقوم بتظهيرها الى شخص آخر، كما يمكن لهذا الأخير"المظهر إليه" أن يقوم بتظهيرها مرة أخرى لدائن له، وهكذا تنتقل الورقة من دائن إلى آخر حتى تصل إلى الدائن الأخير وهو الحامل الشرعي الذي يتقدم إلى المدين بهذه الورقة للمطالبة بالوفاء بقيمتها، وبهذا الوفاء الذي يحدث مرة واحدة فقط تسوى الكثير من علاقات الدائنية والمديونية التي مرت بها هذه الورقة.وقد ازدادت بسبب هذه المزايا أهمية الأوراق التجارية حتى غدت – وبحق – من أهم نظم القانون التجاري وأخصب موضوعاته، حتى قال فيها أحد الفقهاءقد لا نجد – للإجابة على من يتساءل عن فضل القانون التجاري وعن مساهمته في تكوين المدنية الحديثة – خيراً من نظام سندات الائتمان "ونحن نضيف بدورنا أن خير ما جاء به نظام سندات الائتمان هو إمكانية نقل ملكية الورقة التجارية والحق الثابت فيها بسهولة وذلك عن طريق "التظهير" الذي يعد أسلوباً مبتكراً من أساليب حوالة الحقوق بما يحتويه من أحكام عز نظيرها في الأساليب الأخرى للتداول.أما في مجال العمليات المصرفية فلسنا بحاجة إلى الإشارة إلى مدى أهمية المصارف في الاقتصاد الحديث للدول وأهمية الدور الذي تضطلع به هذه المصارف في بناء الاقتصاد والحفاظ على استقراره وهو الأمر الذي يتجلى في السياسات المالية المختلفة التي تتبعها الدول في رسم وتحديد دور المصارف والرقابة على جميع العمليات التي تقوم بها على اختلاف أنواعها وأشكالها.وأخيراً، فقد قمنا بتقسيم هذا الكتاب إلى قسمين رئيسيين تناولنا في القسم الأول منهما الأوراق التجارية وفي القسم الثاني تناولنا بالشرح معظم العمليات المصرفية التي تقوم بها المصارف.