يذهب لوك إلى أن الإنسان ولد حراً، وهي العبارة التي يفتتح بها روسو كتابه " العقد الإجتماعي " وهي العبارة التي أصبحت شعار الثورة الفرنسية فيما بعد. وأما ما تشير إليه كلمة " إنسان " فالخيط الممتد من ثقافة اليونان كان لا زال فاعلاً في الثقافة الإنكليزية في القرن السابع عشر، وهو تصور " الإنسان " على أنه الرجل دون المرأة، والأبعد من ذ...
قراءة الكل
يذهب لوك إلى أن الإنسان ولد حراً، وهي العبارة التي يفتتح بها روسو كتابه " العقد الإجتماعي " وهي العبارة التي أصبحت شعار الثورة الفرنسية فيما بعد. وأما ما تشير إليه كلمة " إنسان " فالخيط الممتد من ثقافة اليونان كان لا زال فاعلاً في الثقافة الإنكليزية في القرن السابع عشر، وهو تصور " الإنسان " على أنه الرجل دون المرأة، والأبعد من ذلك أن أحد الأساقفة في مجمع ماكون تساءل عما إذا كان للمرأة روح، وتساءل آخر عما إذا كانت كلمة إنسان تطبق على المرأة أيضاً. وذلك كله من مخلفات المعلم الأول أرسطو. وقد بقي تراث العصر الوسيط بما فيه من أفكار يونانية تنم عن كراهية شديدة للمرأة، قائماً في عصر لوك، وكان المطلوب الإحاطة بها في العصر الحديث مع قيام الثورات الثلاث الشهيرة لا سيما الثورة السياسية الإجتماعية التي كانت تستهدف تغيير النظم السياسية وبقايا العادات والتقاليد، ومع ذلك فإن شيئاً من ذلك لم يحدث، وبقي التصور اليوناني، المغلف بقداسة العصر الوسيط قائماً، بل أن كلمة man الإنكليزية التي تعني الإنسان هي نفسها الكلمة التي تعني الرجل، وذلك في الكلمة الفرنسية L’Homme التي تعني الإثنين معاً، كأن المقصود بالإنسان هو الرجل وحده، أما المرأة فهي تندرج بين بني البشر إتماماً كما كان الرجل هو الذي يضع القيم والفضائل الأخلاقية وهو واهب القيم، وولي النعم، وهو كل شيء، وفي حين أن المرأة لا شيء على الإطلاق. من هنا فإن لوك وعند حديثه عن حرية الإنسان " يولد الإنسان حراً " أو عندما كان يتحدث عن الحقوق الطبيعية للإنسان: حق الحياة، حق الملكية، وحق المساواة، فإنه إنما كان يقصد أن يصف الحقوق الطبيعية للرجل، ويستهدف الدفاع عن حرية الرجل، وملكية الرجل...إلخ. فليبرالية لوك الشهيرة كانت موجهة أساساً للدفاع عن الرجل الفرد وحقوقه، وليس عن الرجل والمرأة معاً...ولهذا فسوف يلاحظ القارئ عند مضيه في هذا الكتاب أن لوك وعندما يتحدث عن حرية الإنسان أو عن الملكية التي يهتم بها إهتماماً كبيراً أو عن المساواة فإن ما يعنيه هو مساواة الرجل للرجل وأن لا يطغى رجل على آخر فيسلبه حريته أو ينتزع منه ملكيته...إلخ، دون أن تمتد هذه المساواة أو الحقوق الفطرية لتشمل المرأة أيضاً. ومما تجدر ملاحظته أن لوك وهو يناقش البدايات الأولى للمجتمعات السياسية يسلم بأن معظم المجتمعات المدنية بدأت تحت حكم رجل واحد، فقد بدأت الحكومة بالأب، بتلك الأسرة الضخمة التي كانت تكفي نفسها بنفسها...والنقطة الهامة هنا والمثيرة حقاً أن لوك يجعل من سيطرة الذكر وسيادته على الأسرة مسألة طبيعية، وفي حين أن سيطرة الحاكم، مثلاً على رعاياه أو السيطرة السياسية عموماً هي سيطرة صناعية ينبغي الأساس فيها القبول والتراضي. زاعماً أن الرجال في حالة الطبيعة سيطروا على النساء بما لديهم من قوة بدنية جعلتهم قادرين على العمل من ناحية، وحماية المرأة الضعيفة من ناحية أخرى. من هنا يمكن القول بأن وضع المرأة في القرن السابع عشر لم يكن أفضل مما كان عليه في الماضي، وسوف يجد القارئ في هذا البحث الذي يتناول الفيلسوف الإنكليزي جون لوك (1632-1714) أن رأيه كفيلسوف في المرأة ظل مسايراً للتراث القديم. فالحقوق التي كان يتحدث عنها إنما هي للرجل، إذ لم يكن حديثه عن تحرير الإنسان وإسترداد كرامته وحريته وحقوقه سوى حديث عن الرجل، وإنصب إهتمامه على إرساء مجتمع ذكوري، ينال فيه الرجل حقوقه كاملة غير منقوصة، أما المرأة "وكذلك العبيد " فقد بقيت تابعة للرجل لأنه الأقوى والأقدر والأدق فهماً والأشمل إدراكاً ومن ثم فليس للمرأة حقوق سياسية على الإطلاق وليس لها من دور في المجتمع سوى الزواج والإنجاب وتربية النشء وهي نفسها نظرية المعلم الأول مع تعديلات طفيفة.