عنوان الكتاب كما موضوعه وطريقة المعالجة، فيها كلها تميز واضح. فهذا الكتاب لم يأت بحروف مسبوكة مثل سائر الكتب؛ إنما جاء هادراً بصيحات ألم من إنسان يئن من سياط وحضارة مادية ضاغطة تريد أن تقتصر إنسانيته بسرعة مذهلة، فتنفث دخان مصانعها في أجوائه حتى لا تكاد رئتاه تعثران على هواء نقي تتنفسانه، حضارة ترميه بشظايا قنابلها، حتى تقطع أوص...
قراءة الكل
عنوان الكتاب كما موضوعه وطريقة المعالجة، فيها كلها تميز واضح. فهذا الكتاب لم يأت بحروف مسبوكة مثل سائر الكتب؛ إنما جاء هادراً بصيحات ألم من إنسان يئن من سياط وحضارة مادية ضاغطة تريد أن تقتصر إنسانيته بسرعة مذهلة، فتنفث دخان مصانعها في أجوائه حتى لا تكاد رئتاه تعثران على هواء نقي تتنفسانه، حضارة ترميه بشظايا قنابلها، حتى تقطع أوصاله وتبتر أطرافه وتشوّه خلقه، وتدخن نفاياتها الذرية في أرضه فتشل بإشعاعاتها حركته، ثم تقلب له طعامه وشرابه لتحرمه من كل ما تنبت الأرض من بقلها وحبّها وثمراتها.حضارة تتزين للإنسان، تتلاعب بموروثاته لتصنع منه خلقاً آخر متجرد من روحانياته وإنسانيته، ومريم النور التي سمعت بقلبها وعقلها تلك الصيحات تفزع لتساعد الإنسان لمواجهة هذه الهجمة المادية الطاغية بالعودة إلى دفء الإيمان بالله وبرسالات الأنبياء: تقرأ الإنجيل والقرآن وحكمة الحكماء، فتدرك أي جناية ارتكبها الفكر المادي الوافد من الغرب، عندما اختزل الإنسان إلى جسد يعيش ليعمل ويستهلك، وعقل يفكر ليكتشف ويستعمر، ثم اختزل حياته إلى دنيا بلا هدف ولا مآل، فعزله عن بعده الروحي العميق، وألقاه في التيه.وها هي مريم نور في دعوتها التي أطلقتها على هذه الصفحات تهيب بالإنسان أن يعود إلى فطرته، ويتعرف ذاته، ويعرف سر وجوده، ويمتن صلته بخالقه، تعلمه فن الحياة، والغريب أنها تعلمه فن الموت أيضاً. كما تعلمه توحيد الخالق والشوق إلى لقائه. إنها تصرخ هنا على الورق، كما تصرخ هناك عبر الفضائيات عسى أن يجد صوتها الصارخ رجع صدى!!وقد كان لعمل مريم نور في أماكن متعددة من العالم في مجال العلاج الطبيعي، زاداً كبيراً أكسبها خبرة قلّ نظيرها، عاشت مع قبائل الهنود الحمر في أمريكا الشمالية، وتعلمت منهم كيف يعيشون مع الطبيعة في حالتي الصحة والمرض، وتعلمت على يدّ كبار المعالجين والحكماء في اليابان والصين والهند والولايات المتحدة الأميركية، ممن يداوون بالطب الطبيعي الذي أثبتت التجربة والعلم قدرته على علاج حالات من المرض، عجز الطب الحديث عن مداواتها. وعملت في إنكلترا على تأهيل الأطفال المصابين بالسرطان، كي يتقبلوا الحياة برغم المرض، مما ساعد الكثيرين منهم على الشفاء، كما كانت للمؤلفة ذاتها تجربة كبيرة مع مرض عضال أصابها، استطاعت النجاة منه باتباعها وسائل هذا النوع من الطب الطبيعي.وما هذا الكتاب سوى خلاصة لتجربتها الإنسانية، التي أحبت أن تنقلها إلى الناس كيف يستفيقوا من سباتهم ويستعيدا أرواحهم من الضياع في غمرة الحياة المادية الطاغية.