حاول كثير من الكتاب والمؤرخين أن يصغوا الحياة السياسية والعقلية والأدبية بمصر أبان حكم الفاطميين (358- 568هــ) وتكلفوا في ذلك ضروباً من النشاط والجدّ فوفقوا في حدبتهم عن الحياة السياسية أكثر من توفيقهم عن الحياة العقلية والأدبية.وتعليل ذلك يسير ذلك أنه من الصعب العسير الحصول على الكتب التي وضعت في عهد الفاطميين، والتي تبين حقيقة...
قراءة الكل
حاول كثير من الكتاب والمؤرخين أن يصغوا الحياة السياسية والعقلية والأدبية بمصر أبان حكم الفاطميين (358- 568هــ) وتكلفوا في ذلك ضروباً من النشاط والجدّ فوفقوا في حدبتهم عن الحياة السياسية أكثر من توفيقهم عن الحياة العقلية والأدبية.وتعليل ذلك يسير ذلك أنه من الصعب العسير الحصول على الكتب التي وضعت في عهد الفاطميين، والتي تبين حقيقة حياتهم العقلية وتعرف بأسرار الدعوة الفاطمية، لأن أكثر هذه الكتب مفقودة لم يتم العثور على أثر لها، ومهما يكن من أمر بشأن الفاطميين وعقيدتهم في الإمامة، يستطيع الباحث أن يدرك كيف أجمع مؤرخو الفرق الإسلامية على أن فرقة الإسماعيلية هي التي اعتنقت إمامة إسماعيل ولكنهم اعترفوا بأن إسماعيل مات كما يموت غيره من الأئمة، وكما يموت غيرهم من البشر، وأن الإمامة انتقلت بعده إلى محمد بن إسماعيل ثم في أولاده من بعده.فمن هذه الناحية قرب الفاطميون من فرقة المباركية وبعدوا عن الإسماعيلية، ومع ذلك كله نجد من ورث الدعوة الفاطمية لا يزالون يلقبون أنفسهم إلى اليوم بالإسماعيلية ولكي يطمئن الباحث إلى حقيقة مذهب الفاطميين وحياتهم العقلية والأدبية عليه أن يتجه إلى النظر في كتب الفاطميين أنفسهم، وأن يتلمس بعد ذلك ما قاله خصوصهم عنهم.وبذلك فقط يستطيع الكاتب أن يتحدث عن الفاطميين، وعلى هدي هذه القاعدة سعى المؤلف منذ بدأ دراسة عهد الفاطميين إلى جمع عدد من المخطوطات وصفها دعاة المذهب الفاطمي وبها حديث طويل عن حقيقة المذهب ليُصار إلى نشرها في هذه السلسلة، وفي هذا السياق تم نشر هذا الديوان "ديوان داعي الدعاة" ليكون الحلقة الرابعة من هذه السلسلة، ويذكر المؤلف أنه إنما وقع إختياره على هذا الديوان، لأن داعي الدعاة صاحب هذا الديوان معروف في تاريخ الأدب العربي بمناظرته مع أبي العلاء المعري.ومن ناحية ثانية، ونظراً لشحّ المصاد التي تعرف بحياة المزيد داعي الدعاة عمد المؤلف إلى دراسة حياته بشيء من التفصيل وصولاً إلى معرفة حقيقة مركزة في الدعوة الفاطمية، والإلمام بالدعوة الفاطمية نفسها، ويذكر أنه ومما حبب إلى نشر هذا الديوان أن المؤلف وجد الشعر في نظم العقائد الفاطمية وبه كثير من المصطلحات الفاطمية، وبذلك يكاد هذا الديوان أن يكون فريداً في بابه، كما أن الشاعر صور في ديوانه إختلاف آراء المسلمين في عصره، ورد على مخالفي مذهبه.فالديوان على هذا النحو إنما يمثل تاريخاً للإتجاهات العقلية والتيارات الفلسفية التي كانت تسود العالم الإسلامي في القرن الخامس الهجري، ولذلك كان هذا الديوان جديراً بأن ينشر وأن يعرفه المتخصصون في الدراسات الإسلامية والآداب العربية، أما بشأن نسبة هذا الديوان إلى داعي الدعاة، فقد سهل المؤيد نفسه على المؤلف مشقة البحث، فقد اتبع في شعره الطريقة الفارسية المعروفة بإسم (التخلص)، أي أن الشاعر ينكر اسمه أو لقباً لنفسه في آخر كل قصيدة.وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن المؤلف لم يعتمد على ما جاء في ديوان هذا الداعي لمعرفة المذهب الفاطمي، ولكنه استطاع الحصول على كتب فاطمية أخرى ومصادر فاطمية، بالإضافة إلى هذا الديوان الذي شكل أحد المصادر المهمة بالنسبة للمؤلف في عمله هذا إذ أن قصائده جاءت في ترتيبها على حسب ما فيها من معتقدات أو حسب ترتيب الدعوة نفسها بخلاف ما ترتب عليه الدواوين عامة: أما حسب التاريخ الزمني أو حسب القوافي، ومن يدري لعل المؤيد نفسه هو الذي جمع شعره ورتبه على هذا النحو كما كتب سيرته بنفسه أيضاً، بغرض التعريف عن الدعوة الفاطمية وأسرارها.