كلام كثير قيل في الهجوم على الفكر العربي الإسلامي وتحقيره والاستهانة به، إن أقل ما يقال في هذا الكلام أنه كلام غير علمي. إنه لا يمت إلى العلم من قريب أو بعيد، رغم صدوره من أوساط مثلت مصادر للعلم والحقيقة. ومهما يكن من أمر فإنه ليس من اليسير الآن تقويم الفكر العربي الإسلامي وإصدار أحكام وافية تتناول حقيقته الموضوعية في شمولها وتش...
قراءة الكل
كلام كثير قيل في الهجوم على الفكر العربي الإسلامي وتحقيره والاستهانة به، إن أقل ما يقال في هذا الكلام أنه كلام غير علمي. إنه لا يمت إلى العلم من قريب أو بعيد، رغم صدوره من أوساط مثلت مصادر للعلم والحقيقة. ومهما يكن من أمر فإنه ليس من اليسير الآن تقويم الفكر العربي الإسلامي وإصدار أحكام وافية تتناول حقيقته الموضوعية في شمولها وتشعباتها لما تنطوي عليه هذه الحقيقة من زمن مديد، وميادين متفرقة، ومصادر متنوعة، ورجال مختلفي المنازع والمشارب، على أن هذا كله لا يعفي الباحث من المحاولة الهادفة الجادة، التي تتلمس الجوانب المختلفة لتخرج منها بخيط دقيق ينتظمها جميعاً ويؤلف بينها، ويفسر ما تشتت من مظاهرها وتوحد من خفاياها، وتقدم للعلم خدمة متواضعة تشق الطريق أمام الباحثين والدارسين والعلماء من هنا كان همّ الباحث في هذا الكتاب الفكر العربي الإسلامي في تشعباته وامتداداته، وعلى الأخص في انبثاقة وديناميته وتفاعلاته من لدن نشأته حتى إمحائه وانطفاء جذوته. فقد مرّ بأطوار وتطورات، وانبثقت منه ظواهر وظاهرات، وتشعب في مسارب وشق لنفسه طرقاً وسار مسيرات، واندرج في شتى المدارج وكانت له إشراقات وتطلعات، وفجّر طاقات وكشف مواهب وألهب شحنات... وبالتالي كانت له جولات وصولات لهي في التاريخ إحدى المعجزات، فهي جديرة بالدرس.من هنا كانت رغبة المؤلف المباحث الوحيدة هي جمع "وبقدر الإمكان" شتات هذا الفكر وما تفرق من نوابضه وانتشر من أجزائه الضائعة، لا بالمعنى المجازي؛ بل بالمعنى "الحقيقي" أو يكاد وقد كان عمله يدور على محور واحد وهو لم شعث وجمع شمل الفكر الذي مضى، وشمل التجربة المعجزة التي تحققت، لإعطائه صفة الحضور التي كانت له في يوم من الأيام.إن خطة الباحث في كتابه هذا إعادة تركيب الماضي من جديد، ليشهد العالم على الحقيقة كما لمسها بشحمها ولحمها وبدورة حياتها. وأخيراً فإن ما حرص الباحث عليه هو جذب أكبر عدد ممكن من القراء إلى عمله هذا من خلال أسلوبه المتميز، لأن الفائدة من الكتاب هي في انتشاره وكثرة قرائه وإثارة الحركة والحوار من حوله، لا في تكريس الأقوال والنظريات فيه. إن حياة الكتاب هي في تنقله وحركته ومناقشة ومحتوياته وفهم مضمونه. ولعل أكثر ما يساعد على ذلك في نظر الباحث، التوضيح والبيان والتبيين والتبسيط، والتكرار والاستطراد، بل والإسجاع وموالاة الإسجاع، فذلك هو مرام الباحث وغاية مسعاه، حيث هو لم يدخر وسعاً في سبيل تحقيقه والوصول إليه في عمله هذا.