نقرأ في هذا الكتاب محاولة قيّمة وهادفة من قبل مؤلفاه "محمد جمال باروت" و"شمس الدين الكيلاني" في تحليل موقع القدس في الجغرافية الروحية الإسلامية المقدسة منذ بدء اللحظة النبوية وحتى أواخر العهد العثماني في القرن العشرين، بحيث إن الباحثان قد استندا في عملهم هذا إلى نصوص القرآن الكريم والحديث النبوي، ومتابعين كل أشكال التعابير الرمز...
قراءة الكل
نقرأ في هذا الكتاب محاولة قيّمة وهادفة من قبل مؤلفاه "محمد جمال باروت" و"شمس الدين الكيلاني" في تحليل موقع القدس في الجغرافية الروحية الإسلامية المقدسة منذ بدء اللحظة النبوية وحتى أواخر العهد العثماني في القرن العشرين، بحيث إن الباحثان قد استندا في عملهم هذا إلى نصوص القرآن الكريم والحديث النبوي، ومتابعين كل أشكال التعابير الرمزية والعمرانية والطقسية عن تعلق المسلمين بالقدس على مدى أربعة عشر قرناً.فمن المعلوم أن القدس ترتبط بها الحياة الروحية للأديان السماوية التوحيدية الكبرى الثلاثة، وهي: اليهودية والمسيحية والإسلام، أي ترتبط بها أرواح مليارات المؤمنين المتنوعين قومياً ولغوياً وثقافياً. "وتتميز الرؤية الإسلامية للقدس عن الرؤيتين اليهودية والمسيحية، في أنها تدمج الجغرافيتين المقدسيتين اليهودية والمسيحية في مجالها المقدس، وتعترف به لاهوتياً".تأتي أهمية هذا الكتاب من كونه يتتبع موقع القدس في المنظومة الجغرافية المقدسة، ونوعيته في إطار ترابط أطراف هذه المنظومة بأضلاعها الثلاثة وهي مكة والمدينة والقدس، والتي يقوم فيها المعتقد الإسلامي على أن الله قد وصل فيما بينها إلهياً منذ البدء وقبل خلق العالم.من هنا يكشف هذا الكتاب أن قدسية القدس ليس أمراً عابراً أو ثانوياً في المنظومة الجغرافية الإسلامية المقدسة بل طرفاً جوهرياً مكوناً لها.يتكأ الباحثان في تحليلهم لهذا الموقع المقدس على مقاربات ومداخل منهجية متعددة ترى المقدس بعداً من أبعاد المدني الدنيوي، وتنظر إلى تفاعل مدوناته مع أشكال السلوك والنظم الأنتروبولوجية والرمزية والطقسية الإسلامية المختلفة التي مثلت قيماً مضافة، وتغلغلت في اللاشعور الجمعي الإسلامي.ما يريد أن يقوله الباحثان هو أن الموقع الإسلامي المميز للقدس، أصبح يندرج في قضية الكفاح الشاق والعادل الذي يخوضه العرب ضد إسرائيل، وبشكل غدا فيه مبدأ القدس أولاً عنصراً أساسياً مفتاحياً في عناصر هذه القضية المركزية، والتي تكرس المفهوم الإسلامي للقدس بوصفه مفهوم سلام ما بين أبناء "إبراهيم"، في مواجهة سياسات طمس الهوية العربية - الإسلامية للقدس وتهويدها. من هنا تأتي أهمية تأكيد الوعي العربي الإسلامي بالقدس في مواجهة سياسة التهويد التي أصبحت تعرف في المفاهيم الدولية بـ "الإبادة الثقافية". من هذا المنطلق فإن حماية القدس هي قضية عربية - إسلامية وعالمية كي تكون مدينة للسلام والإخاء بين البشر.