ماذا تستطيع الدعوة الإسلامية في أصولها الحقيقية أن تقدم إلى حركة البشرية الحاضرة، في عصر الثورة الإجتماعية والعلمية والتقنية من إسهامات جديرة حقاً بأن تساعد التاريخ المتقدم على عمله؟.وإن البشرية لتقف متسائلة رغم كل ما حققته في تقدم، أمام هذا السؤال؛ هل يمكن بناء علم إنساني، بشري، تضمن على أساسه بناء حضارتها المتحررة من الإستلاب،...
قراءة الكل
ماذا تستطيع الدعوة الإسلامية في أصولها الحقيقية أن تقدم إلى حركة البشرية الحاضرة، في عصر الثورة الإجتماعية والعلمية والتقنية من إسهامات جديرة حقاً بأن تساعد التاريخ المتقدم على عمله؟.وإن البشرية لتقف متسائلة رغم كل ما حققته في تقدم، أمام هذا السؤال؛ هل يمكن بناء علم إنساني، بشري، تضمن على أساسه بناء حضارتها المتحررة من الإستلاب، هل التاريخ يسير في هدي واع، هل للحياة معنى أو معان تمكن معرفتها، وعلى أساس ذلك يؤسس عمل ناشط لتغيير ما هو غير إنساني؟...وللإجابة على ذلك كله يمكن القول بأن أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ المدقق للقرآن الكريم هو أن العلم من الهموم الأساسية للدعوة الإسلامية، وإن الإسلام لم يجب فقط من الهموم الأساسية للدعوة الإسلامية، وإن الإسلام لم يجب فقط عن سؤال البشرية الحاضرة بالإيجاب، بل كان في شطره الأكبر عملاً ناشطاً لإزاحة كل ما يعترض الإجابة الحضارية عن هذا السؤال من معوقات.ويكفي التذكير بأن أول سورة أنزلت على النبي الكريم هي سورة "القلم" - بل أول كلمة - أنزلت من آيات الفرقان هي "إقرأ"، ويوضح القرآن الكريم أن الله تعالى صرّف للناس في كتابه من شيء مثلاً، إلا أنه (وكان الإنسان أكثر شيء وصولاً).وعلى هذا الصعيد العلمي الموضوعي، وفي إطار هذه النقيضة الجدلية، بين تصريف الخالق للناس في قرآنه من كل مثل، أي بيانه لهم ما إلتبس عليهم من أمور حياتهم وأفكارهم، يسجل القرآن الكريم في الشطر المكمل للنقيضة ليس فقط أن الناس يستمرون في مجادلة هذه الأمور وتدقيقها، بل إن القرآن الكريم يعطي حكماً قاطعاً تشوبه نبرة لا تخلو من إعجاب بالإنسان، وهي نبرة، كما سيرى القارئ في سائر فصول هذا البحث، سوف تتسع لتغدو نزعة إنسانية عظيمة غلابة.هذا الحكم القاطع الذي يعطيه القرآن الكريم هو قوله (وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً).. وإلى هذا، كان علمية الدعوة الإسلامية، وأساسها المسألي، نسبة (إلى مسألية، وهي علم طرح المسائل وحلها) تجعل القرآن الكريم يطرح حكمه على أساس وإن كان قاطعاً جازماً، إلا أنه يتضمن الجدلية العلمية في ثناياه.ضمن هذه المناخات الفكرية المعاصرة تأتي هذه الدراسة الموضوعية للفكر الجدلي في القرآن الكريم، الذي حاول الباحث من خلالها تلمس المنهج الفكري الأساسي الذي اعتمدته الرسالة الإسلامية، في أحد ينابيعها الرئيسة، بل في مصدرها ا لأولي، وهو القرآن الكريم، لكي تقدم مبادئ الثورة الإسلامية، والدعوة الحضارية الجديدة التي جاء بها الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وسعى للكشف عن الطريقة المنهجية، المتلاحمة، العلمية، التي اعتمدتها الدعوة الإسلامية، لجمع القبائل العربية أولاً، في إطار حركة فكرية وعملية صاعدة، موحدة الإتجاه، واضحة المنطلقات والأسس والمبادئ، وإطلاق العرب، لنشر الرسالة العربية، في أربعة أرجاء المعمورة، منذ زهاء أربعة عشر قرناً.وقد انتصر الباحث في دراسته هذه على بحث الفكر القرآني بصورة مجردة - لا تجريدية - تجهد لإستخلاص قوانين الفكر الشاملة من نصوص القرآن الكريم، دون عزلها طبعاً، عن إطاراتها ومنطلقاتها الحية، ذلك لأن الإسلام دعوة فكرية دينية سماوية، إجتماعية وحضارية، مسلكية وتشريعية، غيبية ودنيوية، قائمة بذاتها.هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن هذا البحث يحمل إشكالية أخرى تجلت في مفهوم النضال المسلح في الإسلام، حيث تناول الباحث نظرية النضال المسلح في إرتباطها الوثيق بالممارسة، عارضاً الخطوط العريضة للإعداد لإنتصار الدعوة الإسلامية كما جرت في حيزها الزماني والمكاني والبشري، في مختلف مدن العرب وأحيائهم، منذ بعث رسول الله بالدعوة حتى (الناس يدخلون في دين الله أفواجاً)، ثم ليعرض لما يمكن إستخلاصه من مقولات نظرية، وتفحص ما يمكن أن تدل عليه تلك الممارسات التي تمت الإشارة إليها في هذه الدراسة، على صعيدين متلاحمين مترابطين، الإعداد لإنتصار الدعوة، ثم النضال المسلح.