لقد كتب عن "المتنبي" كثير من الأدباء، ولكن الغالبية عالجت نواحيَ من المتنبي دون أن تَجمع، ولم تدخل بين قصائده، بل أبياته فتحدثوا عن حياة المتنبي، أو عن الحساد، أو عن سرقاته، وكلامهم فيه معاد؛ إلا أن بعض هذه الكتب كانت في غاية الدقة والمعرفة.وتجدر الإشارة أن دراسة "أبي الطيب" وشعره صعبة، بل طويلة لتشابك حياته بشعره، وتغير نغمه في...
قراءة الكل
لقد كتب عن "المتنبي" كثير من الأدباء، ولكن الغالبية عالجت نواحيَ من المتنبي دون أن تَجمع، ولم تدخل بين قصائده، بل أبياته فتحدثوا عن حياة المتنبي، أو عن الحساد، أو عن سرقاته، وكلامهم فيه معاد؛ إلا أن بعض هذه الكتب كانت في غاية الدقة والمعرفة.وتجدر الإشارة أن دراسة "أبي الطيب" وشعره صعبة، بل طويلة لتشابك حياته بشعره، وتغير نغمه في كل قطر يحلّه، ولإضطراب الأجواء في عصره، وتأزم القضايا السياسية والقومية، وتوزّع التفكير الديني.وعلى من أراد دراسة شعره أن يتفهمّ تاريخ الشام قبل آل حمدان، وتاريخ حلب في عصر الحمْدانيين، ويدرس مكانة زملائه من الشعراء عندهم، والأخشيديين وكيف وصلوا إلى الحكم، ومدى علاقتهم بحكام حلب، وجنوب الشام وصلته بمصر، وحكم الخلافة، وتسلط آل بويه.كما عليه أن يلمّ بالحركات الدينيّة التي ظهرت في عصره، وتأثر، هو وبعض الأمراء بها، ويدرس كذلك بعض النظريات النفسية الحديثة، ويطلّع على جغرافية ووصفها كرياض حلب وشعب بوّان فيي فارس والمناطق الجرداء بطولها وعرضها التي خاض فيها رَدَحاً من الزمان.ولم يكن "المتنبي" شاعراً وحسب، بل كان شاعراً ذا صلة بتاريخ المناطق، وذا أصالة بالحركات المذهبية المناوئِة... فهو شاعر ذائع الصيت، لا غنى عن دراسته.كما أن دراسة "المتنبي" وأمثاله من الشعراء ضرورية جداً لتفهم نواحي أخرى من سمات الأدب في العصر العباسي، فالعصر المذكور يجب ألا يدرس فقط من وراء أبي نواس وأبي العتاهية، لأن "المتنبي" خالفهما، واهتمّ في مرحلة من مراحله بتشجيع الجيش العربي المجاهد، وتصوير معاركه الفائزة ضد البيزنطيين الذين يطمعون في إحتلال أجزاء عزيزة من وطننا العربي، ولهذا فإننا نجد "المتنبي" - و"أبا فراس" - صورة للنضال العربي، وشاعراً يقدر ضرورة الإعلام.لهذا قام المؤلف بدراسته من هذه الوجهة ليزيح ستاراً عن الأدب العربي، عدّه الغرّيضون في منأى عن حاجات الشعب، وما أحلى صور النضال!! وسيجد القارئ مواقف حاسمة للمتنبي وهو يصور سيف الدولة على فرسه، والأعداء يتراجعون وينهارون أمام الجنود العرب.