نبذة النيل والفرات:أصبح استخدام العلوم النفسية في الميدان السياسي كظاهرة متفشياً على مستوى الدول العظمى منذ أمد ليس بالقصير. فقد جرى التركيز الإعلامي المكثف خلال عقود على إساءة استخدام العلم النفسية (الطب النفسي خاصة) في الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية سابقاً، حيث كان المعارضون السياسيون يُحوَّلون إلى المصحات العقلية وهنالك ...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:أصبح استخدام العلوم النفسية في الميدان السياسي كظاهرة متفشياً على مستوى الدول العظمى منذ أمد ليس بالقصير. فقد جرى التركيز الإعلامي المكثف خلال عقود على إساءة استخدام العلم النفسية (الطب النفسي خاصة) في الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية سابقاً، حيث كان المعارضون السياسيون يُحوَّلون إلى المصحات العقلية وهنالك توضع لهم التشخيصات المناسبة لبقائهم في هذه المصحات حتى أدى هذا التركيز إلى رفض عضوية الاتحاد السوفييتي في الجمعية العالمية للطب النفسي (قبلت عودته إليها في مؤتمر أثينا العام 1989).في المقابل فقد تكتمت الولايات المتحدة وعدة دول غربية أخرى على إساءة استخدامها لهذه العلوم بدءاً من استخدام مخدر L.S.D في التحقيقات (مما أدى إلى انتشاره في ما بعد كمخدر) ووصولاً إلى الجراحة الدماغية مروراً باستخدام السيكولوجيا الجماعية وتسخيرها في خلق الإيحاءات التي تدفع الجمهور بالاتجاه المناسب للسياسة الأميركية. وهذا ما دفع المفكر الأميركي نعوم تشومسكي لتخصيص فصل خاص في كتابه "قراصنة وأباطرة" للمقارنة بين التجاوزات الأميركية (التي جعلتها القوة والسيكولوجيا مباحة) وبين الإدانة الجماهيرية (الرأي العام الذي تتحكم فيه الولايات المتحدة) للتجاوزات السوفيتية الأقل حجماً ووقاحة كما يقول تشومسكي. لكن نقطة ضعف السيكولوجيا السياسية هي أنها تعطي مفعولاً قابلاً للارتداد. فهذه الإيحاءات (المواجهة للجمهور الواسع) هي كناية عن تنويم مغناطيسي جماعي لكنه مؤقت. على أية حال فإن أصعب أزمات علم السياسة هي تطور فروعه على حسابه كأصل. إذ أن علم السياسة التقليدي خسر مكانته تدريجياً بسبب السرية المحاطة به والتي حاولت تكريسه كموهبة غير قابلة للتدريس. في حين تمكنت العديد من الفروع المنتمية أصلاً إلى علم السياسة من تكريس أكاديميتها وقابليتها للتدريس وللقياس العلمي.وهكذا تطورت علوم من نوع علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي والاقتصاد والإحصاء وحتى المستقبليات على حساب علم السياسة. الأمر الذي أدى إلى تراجع المفهوم الشمولي لعلم السياسة وحوّله إلى مجموعة غير متماسكة تدعى بالعلوم السياسية. ومن هنا القول أن التعمق في دراسة أي موضوع سياسي يقود للاستعانة بعلوم أخرى حتى تبدو السياسة وكأنها منساقة قسراً لهذه العلوم. هذا الانسياق يبرر تنوع وتقرع التطبيقات التي أوردها المؤلف في هذا الكتاب، كما يشرح العلاقة التبادلية المعقدة بين السياسة وعلم النفس ويفسر وجود علوم وسيطة بينهما والغاية فهم الظاهرة السياسية من خلال التعرف على جذورها النفسية في التكوين الجماعي أو الفردي.