يقول إدوارد سعيد في مقدمة كتابه "نهاية عملية السلام، أوسلو وما بعدها" بأن اتفاق أوسلو هذا وفّر للإسرائيليين وأنصار إسرائيل شعوراً بأن المشكلة الفلسطينية قد انحلّت إلى الأبد، كما أعطى الليبراليين شعوراً بالإنجاز، خصوصاً مع الهجوم الذي يتعرض له "السلام" من ليكود وحركة الاستيطان.
وهذا بدوره جعل من المرفوض أن يعبر الفلسطينيون ع...
قراءة الكل
يقول إدوارد سعيد في مقدمة كتابه "نهاية عملية السلام، أوسلو وما بعدها" بأن اتفاق أوسلو هذا وفّر للإسرائيليين وأنصار إسرائيل شعوراً بأن المشكلة الفلسطينية قد انحلّت إلى الأبد، كما أعطى الليبراليين شعوراً بالإنجاز، خصوصاً مع الهجوم الذي يتعرض له "السلام" من ليكود وحركة الاستيطان.
وهذا بدوره جعل من المرفوض أن يعبر الفلسطينيون عن أي شيء سوى التقدير لما قدمه لهم اتفاق أوسلو وما قدمه كلينتون ورابين وبيريز، على رغم أن البطالة في غزة وصلت إلى ستين في المئة، فيما برهن إغلاق الضفة الغربية وغزة على أن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي لم تشهد أي تغيير. وعندما سئل إدوارد سعيد عن البديل كان جوابه أن البديل كان موجوداً منذ البداية: إنهاء الاحتلال وإزالة المستوطنات وإعادة القدس الشرقية وحق تقرير مصير حقيقي ومساواة حقيقية للفلسطينيين. وهو لا يعترض على السلام الحقيقي والتعايش الحقيقي، فهذا هو ما يتحدث عنه منذ عشرين سنة، ولكن ما يعارضه وتعارضه غالبية الفلسطينيين هو السلام المزيف واللامساواة المستمرة بين الفلسطينيين وبين الإسرائيليين، الذين يسمح لهم بالسيادة وسلامة الأراضي وتقرير المصير فيما يحرم أصحاب الأرض الحقيقيين ذلك.
وبعد ذلك كله فإن تلك العقول العظيمة التي رضخت للضغط الإسرائيلي، وأقنعها معسول الكلام بأن عليها أن تعتقد أنها منحت هبة كبيرة عندما اعترفت بها إسرائيل، هذه العقول غير قادرة وستبقى غير قادرة على قيادة معركة استرداد الحقوق الفلسطينية. وهذا ما يمكن أن يراه الأطفال أنفسهم، ويضيف إدوارد سعيد قائلاً بأن ما يحيره هو العدد الكبير من المثقفين ورجال الأعمال والأكاديميين والرسميين الفلسطينيين الذين يصرون على توهم أن عملية السلام في مصلحتهم ومصلحة شعبهم، ويواصلون أيضاً إعطاء ولائهم وخضوعهم للسلطة الفلسطينية، على رغم أن هذه، في أفضل الحالات، تقود شعبها على الطريق الخاطئ تماماً، وفي أسوئها تفرض الاحتلال الإسرائيلي بتحريض من قادة إسرائيل الذين اقنعوا أنفسهم وأنصارهم بأن هذه "عملية سلام" حقيقية. أهي قضية فساد؟ أم جشع؟ أم انعدام كفاءة؟ أم أنها الغباء الأخلاقي؟ عندما تقنع نفسك والآخرين بأنك تخدم مصالحك، حتى عندما تواصل حياتك سجيناً،؟ ومهما كانت الاستراتيجيات الذكية المخططة للاستعمال في مجلس الأمن والجامعة العربية، ومهما تصاعدت الحدّة البلاغية، فلا مجال لتلاقي السؤال عن كيف لقيادة كهذه أن تستمر بعدما تخلّت عن شعبها وتاريخه لمصلحة هذه الحفنة من الوعود الكاذبة؟
هكذا وبكل صراحة وموضوعية يكشف إدوارد سعيد عن شؤون وشجون الفلسطيني بعد اتفاقية أوسلو في محاولة للكشف عن الوجه البشع الذي يرتديه السلام المفروض بأسنة الحراب الإسرائيلية، مبيناً الدور الأميركي المنحاز والدور العالمي المآزر للمطامع الإسرائيلية. وكاشفاً عن السلبية العربية وأولاً عن سلبية القيادة الفلسطينية في أخذ المواقف الجادة المساندة للشعب الفلسطيني والمعارضة لاتفاق أوسلو. يعرض لكل ذلك من خلال مقالات تمّ نشرها في أزمان متفاوتة في أعداد جريدة الحياة.