الكتاب من تحقيق عبد الرحيم بن مبارك دريوش. إن من الأساسيات التي اهتمت بها شريعة الإسلام، موضوع الطهارة يقول الله عز وجل: "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين".وهو ما يدل على ما تتصف به هذه الشريعة من الشمولية لجميع جوانب الحياة الإنسانية. الأمر الذي جعل غالب دواوين السنة، تنتظم وفق ترتيب موضوعي دقيق، يشتمل هذه الجوانب، من عقائد ...
قراءة الكل
الكتاب من تحقيق عبد الرحيم بن مبارك دريوش. إن من الأساسيات التي اهتمت بها شريعة الإسلام، موضوع الطهارة يقول الله عز وجل: "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين".وهو ما يدل على ما تتصف به هذه الشريعة من الشمولية لجميع جوانب الحياة الإنسانية. الأمر الذي جعل غالب دواوين السنة، تنتظم وفق ترتيب موضوعي دقيق، يشتمل هذه الجوانب، من عقائد وعبادات ومعاملات وآداب وغيرها.وتحتل الطهارة غالباً المركز الأول من هذا الترتيب، مما يوحي بأهمية موضوع طهارة البدن في قاموس العبادات.وتعد أحاديث خصال الفطرة، من الأحاديث ذات الأهمية في هذا الباب. ولافتقار الناس إلى معرفتها والأخذ بها، اهتم أهل العلم من الفقهاء والمحدثين بهذا الجانب المهم، فبينوها في كتبهم ومصنفاتهم. بل إن منهم من أفرد هذه الخصال بالتصنيف، ومنهم من أفرد خصلة واحدة منها بالدراسة والتأليف.ومن هؤلاء، الإمام المحدث الحافظ، زين الدين، أبو الفضل: عبد الرحيم بن الحسين العراقي رحمه الله. فكانت المسألة في قص الشارب، إجابة عن سؤال السائل: هل ذكر حلق الشارب صحيح أم لا؟بدأ العراقي رسالته هذه ببيان سياقها التاريخي، وأن سبب تأليفها سؤال حول لفظة "حلق الشارب" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "الفطرة خمس". فخرج رحمه الله هذا الحديث ليوضح أن هذه اللفظة شاذة. ثم ذكر شواهد الحديث من حديث ابن عمر وعائشة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم جميعاً.ثم بدأ بالرد على من يحمل رواية القص على الحلق، مبيناً أن المراد هو قطع البعض وإبقاء البعض، بدليل لفظة: "وتقصير الشارب"، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقلب الدليل عليهم بأن قوله صلى الله عليه وسلم: "احفوا" و"جزوا". يحمل على ما طال على الشفتين، وفي هذا جمع بين الأدلة.واستدل على عدم استحباب إحفاء جميع الشارب، بحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في أن النبي صلى الله عليه وسلم قص شارب المغيرة على سواك. ونبه على ضعف حديث عائشة رضي الله عنها بنفس المعنى. ثم ذكر أثر عمر بن عبد العزيز في القص، وبين معنى الإطار من قوله: (حتى يبدو الإطار).ثم بين أن عمل الجمهور على القص بذكر آثار في ذلك، وذكر قول مالك والشافعي في الموضوع، وبين مذهب ابن عمر وبعض الصحابة، وأنهم يرون إحفاء الشارب. وذكر قول عياض بالتخيير بين الأمرين وأنه أوفق لمجموع الأقوال، ليرده رحمه الله بأن عمل الجمهور على القص وهو أولى بالإتباع.ورد على أهل الظاهر بحديث: "وقت لنا في قص الشارب". بأنه لو كان المراد حلقه لما جاز تركه أربعين ليلة، لأنه في تلك المدة ينزل على الشفتين.واعتمد في نصرة مذهبه على الأحاديث والآثار الصحيحة، ورد ما ضعف منها، مع الرد على المخالف ببيان ضعف ما ذهب إلى الاستدلال به من أحاديث وآثار، أو مجانبته التفسير الصحيح لها. كما اعتمد قلب الدليل عليهم، والرد العقلي على أهل الظاهر، وهو ما يضفي على الرسالة صبغة البحث والمناظرة، ويوضح بجلاء تمكن الحافظ العراقي في علوم شتى أهمها: الحديث والفقه وأصوله.