أولادنا وأسئلتهم الصعبة: الدلالات التربوية والنفسية- الحرب وتأثيرها علي أولادنا

حكاية أيمن مع أبيه هي حكاية كل الأطفال في كل زمان ومكان، هي صرخة عفوية ومباشرة تنطلق من فم صغير متأرجح يفتش عن كل شيء ولا شيء مفعم بالرغبة في الحياة واستشفاف الأسرار حوله. هو حالة شبيهة بالحلم، متجاذبة بين النوم واليقظة بين الوعي واللاإدراك، يختلط فيها الزمان والمكان، الحقيقة والخيال، الرهبة والشجاعة. إنها الإطار الغامض حيث تتكثف الفكرة وتتجزأ وتحمل في طياتها تناقضها المميت، حيث البرهة ديمومة والمحدود مطلق.أيمن الصغير يمتص كل شيء ويعيده أضغاث أشياء غير مبال "بقوانين الكبار"، قساوة الواقع تنزل عليه كالماء الصقيع فينفر ويتمرد ويهدد ويتوعد، ويعود الحنان ليضع حاجزاً بينه وبين هذه القوى الضاغطة والمشرذمة. عودة التجربة وتكرارها بشكل قهري تشكل لديه الثلم الذي يجري فيه سياق الحواس والمشاعر والأفكار. حريته هي مساحة الحب الذي أودع في قلب البالغ.من الضرورة إلى الحرية مسار يعيد تشكل الإنسان الكامل في كل طفل ناطق، وطريق الهداية مضاءة بنجوم متباعدة مبعثرة لا يستطيع استقراءها إلا من كمنت فيه الطاقة والمعرفة الملهمة، وإن كان الطفل لا يدركها إلا أنه صانعها وأنها جزء لا ينفصم عن كيانه، فهو يرى في كل الأشياء إسقاطاً من جسمه الحي المنفعل والمتفاعل مع المحيط.وهذا الكتاب إن لم يكن شرحاً جافاً لبدايات الوعي عند بني البشر، فإنه يسمح باستقراء التجربة المباشرة التي تشبه تجربة السابح في المحيط دون الاعتماد على معرفة مسبقة أو أداة جاهزة للعوم، إنها قصة روبنسون كروزو من دون رفيقه "فندريدي" ومن دون تاريخ.فهل كان يستطيع أن يحمي ذاته من قرص البرد وألم الجوع ووحشة الوحدة، أم كان سيرى كما يرى أيمن أن للأشياء أرواحاً مثل بني البشر وأن روزنامته لم تكتب بعد وأن عليه أن يكتشفها، فهو محكوم أن يعيش بأجيال قبل أن يبلغ سن الطفولة.