قد نتعاطف مع الحاجب المنصور عندما نطالع سيرته، وقد لا نفعل، غير أننا لا نستطيع في الحالتين إلا أن نتوقف طويلاً لنتأمل بإعجاب تلك المنجزات التي حققتها ذلك الرجل بعزمه وإيمانه. إنه نسيج فريد بين الرجال، ونموذج لا نظير له بين القادة، وقد تكون هناك ملامح متشابهة بين بعض الرجال، في حوافزهم ودوافعهم، في طموحاتهم ومطامعهم، في أخلاقهم و...
قراءة الكل
قد نتعاطف مع الحاجب المنصور عندما نطالع سيرته، وقد لا نفعل، غير أننا لا نستطيع في الحالتين إلا أن نتوقف طويلاً لنتأمل بإعجاب تلك المنجزات التي حققتها ذلك الرجل بعزمه وإيمانه. إنه نسيج فريد بين الرجال، ونموذج لا نظير له بين القادة، وقد تكون هناك ملامح متشابهة بين بعض الرجال، في حوافزهم ودوافعهم، في طموحاتهم ومطامعهم، في أخلاقهم وطبائعهم.غير أنهم لا بد وأن يختلفون فيما يحققونه، وفيما ينجزونه، بقدر ما يتباينون في طرائقهم وأساليبهم. لقد برز الحاجب المنصور في فترة صعبة من حياة الأندلس، كانت فيها ممالك النصارى في الشمال قد اكتسبت كل ظواهر الدول وقوتها، وأخذت هذه الممالك في توجيه جهدها لحرب المسلمين من قبل أن تعلن الحرب الصليبية بصورة رسمية.وكانت أندلس المسلمين قد عرفت في عهدي عبد الرحمن الناصر لدين الله وابنه الحكم المستنصر ذروة عهد المجد غير أن هذه القوة كانت نخفي تحتها من ظواهر التمزق المرعية ما يهدد أندلس المسلمين بشر مستطير. وجاءت وفاة الحكم المستنصر المباغتة فتصدى الحاجب المنصور لحمل المسؤولية، ورفع راية الجهاد في سبيل الله، وأعاد التنظيم الشامل للدولة، وحشد كل القوى والإمكانات المتوافرة لرفع راية الإسلام والمسلمين.وقاد الحرب طوال حياته فأحرز من الانتصارات ما لم يحصل عليه رجل من قبل ومن بعد، فترك بذلك مجداً خالداً بقي متألقاً على مر الأيام ومفخرة لجند الإسلام، وعن هذا القائد المسلم يتحدث هذا الكتاب من سلسلة "مشاهير قادة الإسلام" محاولاً إعطاء فكرة عامة عن شخصيته وعن قيادته للمسلمين، وحمله لواء الإسلام، وعن الحروب التي قادها، وعن المنجزات التي حققها خلال مرحلة قيادته للمسلمين، كل ذلك وغيره يتطرق له هذا الكتاب بأسلوب شيق يجعل القارئ يعيش معه (أي مع شخصية الدراسة) ويتابعها في أعمالها ومواقفها الجريئة التي هي بمثابة عظات وعبر لشباب اليوم، وبمثابة مرآة عاكسة لحقبة منصرمة من الزمن.