في هذا الكتاب النصوص الطالعة بغالبيتها من أجواء الحرب وإيقاعاتها وصورها, ولحظاتها المضحكة المبكية, ثمة رغبة دائمة في إيجاد المعادل الإنساني للوحشية المعممة. ثمة داخل ينغلق على نفسه ويعاند في انحياز للإنسان وخياله ووجدانه, ضد الخارج وضجيجه. وثمة محاولات فضح لما يجري ليس في الاحتجاج المباشر والمضمون فقط, بل في الشكل أيضاً كأنما ير...
قراءة الكل
في هذا الكتاب النصوص الطالعة بغالبيتها من أجواء الحرب وإيقاعاتها وصورها, ولحظاتها المضحكة المبكية, ثمة رغبة دائمة في إيجاد المعادل الإنساني للوحشية المعممة. ثمة داخل ينغلق على نفسه ويعاند في انحياز للإنسان وخياله ووجدانه, ضد الخارج وضجيجه. وثمة محاولات فضح لما يجري ليس في الاحتجاج المباشر والمضمون فقط, بل في الشكل أيضاً كأنما يركّب بول شاوول العبارات والأسطر بحجم الرصاصات المتفرقة والقذائف أيضاً.نبذة النيل والفرات:"كان الرسام وحده في المقهى. رسم في الكرسي الأول صديقه وطلب له فنجان قهوة. ثم رسم في الكرسي الثاني صديقته وطلب لها كوب عصير. ثم رسم في الكرسي الثالث جاره وطلب له زجاجة بيبسي. ثم وقف، دفع الحساب، وودّعهم ومضى، العصفور الذي نسي أن يرسمه في العام الماضي، عاد إليه هذا العام. كان في المقهى. حط العصفور على رأسه، فعلى أنفه، فعلى نظارتيه، فعلى يديه، وبقفزة واحدة دخل إلى اللوحة، وبقي فيها طويلاً. في اللوحة الأولى رسم امرأة تمشي، في اللوحة الثانية رسم رجلاً ينتظر، أحزنه كثيراً أن تلك المرأة وذلك الرجل لم يلتقيا"خيالات تتصل بأفكار طفولية تتقافز بمرح. ماذا لو أن العصفور دخل في قلب الورقة، ماذا لو أن الرسام أخذ شكل العصفور ماذا ماذا... ماذا لو أن الكاتب ألقى عن كاهل مبانيه عبء النمطية، وثقل التبعية ليسرح في حقل المعاني كالطفل بإحساسه بالأشياء، وكالفيلسوف في اكتناهه للمعاني أنه حقاً سيبدع كما بول شاوول في هذه النصوص.