المقدمةالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين وإمام المجاهدين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فهذا الكتاب في السياسة الشرعية التي يجب على المسلمين أن يتمسكوا بها، وألا يحيدوا عنها إلى ما انتحله وافتراه الكافرون المفترون من السياسات والأنظمة والقوانين والأحكام التي أكثرت في الأرض الفساد، وارتفع بسببها صو...
قراءة الكل
المقدمةالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين وإمام المجاهدين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فهذا الكتاب في السياسة الشرعية التي يجب على المسلمين أن يتمسكوا بها، وألا يحيدوا عنها إلى ما انتحله وافتراه الكافرون المفترون من السياسات والأنظمة والقوانين والأحكام التي أكثرت في الأرض الفساد، وارتفع بسببها صوت الكفر والإلحاد، وقد ازداد خطرها واستطار شرها في هذه السنوات مع الحملة الصليبية العالمية المتحالفة مع اليهود والمشركين والمرتدين لمحاربة الإسلام والمسلمين.وقد تصدرت هذه الحملة وتولت كبرها، رأس الشر في هذه الحملة الولايات المتحدة التي أجلبت بجنودها وأسلحتها وضجيج إعلامها على الأمة الإسلامية، وغزتها في قعر دارها في أفغانستان والعراق، ونشرت قواعدها في دول الخليج وفي باكستان وغيرها، وسارع إلى موالاتها، والدخول في حلفها، والقتال في صفها، والإيمان بفتنتها- المسماة بالديمقراطية- المارقون المرتدون والمنافقون الذين قال الله تعالى عنهم وهو أحكم الحاكمين: {يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ منكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ. فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ منْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} وقال تعالى: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ منْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً}، وكثير من المرتدين والمنافقين في زماننا قبل أن تدخل البلاد من أقطارها، وتقتحم من حدودها، قد استجابوا لفتنة الديمقراطية، وائتمروا بأمر راعيتها الولايات المتحدة.وقد قام امام هؤلاء الصليبيين وحلفائهم، وتصدى لمدافعتهم ومقارعتهم، العلماء الربانيون طلائع الخلافة الإسلامية، وجنود الله في الأرض، الطائفة الناجية المنصورة المرابطة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة" أخرجه مسلم.وعن جابر بن سمرة عن النبيأنه قال: "لن يبرح هذا الدين قائما، يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة" أخرجه مسلم. وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ولاتزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة" أخرجه مسلم.و عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: سمعت النبييقول: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة". قال: "فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فيقول أميرهم: تعال صل لنا. فيقول: لا. إن بعضكم على بعض أمراء. تكرمة الله هذه الأمة". أخرجه مسلم.وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللهيقول: "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك" أخرجه مسلم. ويئس الصليبيون وحلفاؤهم من رد المسلمين الصادقين عن دينهم، وأصبح حالهم كحال سلفهم من الكفار، الذين قال الله تعالى عنهم: {ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأِسْلاَمَ دِيناً}.والمرابطون الذين يسيرون بصدق وثبات على طريق السلف ، لتكون كلمة الله هي العليا، ويحكم الإسلام في الأرض، ويشرق نور الخلافة الإسلامية من جديد، عليهم ألا يقتصروا في حذرهم على الكفار المحاربين والمرتدين الديمقراطيين الذين يسعون لإزالة الإسلام، وتحكيم الكفر المسمى بالديمقراطية في بلاد المسلمين، بل عليهم أن يحذروا أيضا من بعض من ينتسبون إلى العلم الشرعي الذين يخلطون الحق بالباطل، وقد قال تعالى: {وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، وهذا الخلط واللبس من صفات اليهود، ومن تشبه بهم من أهل العلم في هذه الأمة الإسلامية ممن يرفعون شعارات إسلامية، ويتصدرون للفتوى والإرشاد، ثم يخلطون ما عندهم من الحق بالدعوة إلى الباطل كالدعوة إلى الكفر المسمى بالديمقراطية بحجة المصلحة الوطنية أو غيرها. و تكمن خطورة هذا الصنف في مكانة بعضهم عند بعض عوام المسلمين، وربما كان من بينهم من يدعون إلى قتال المحتلين، ولكنهم قد زلوا في فتنة الديمقراطية التي ضل فيها كثير من الناس كما ضل الكثير من الناس في عبادة الأصنام كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَب ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ آمِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ. رَب إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً منَ ٱلنَّاسِ}.إن الواجب على كل مسلم فضلا عمن تصدر للفتوى وانتسب للدعوة الإسلامية أن يأمر بما أمر الله به من الإيمان، ولا يأمر بالكفر كدعوة المسلمين وحثهم على القبول بالديمقراطية، وقد قال تعالى: {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ وَٱلنَّبِييْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ}، فالنبيلا يأمر المسلمين بالكفر كاتخاذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله، وكذلك من تصدر للفتوى وتبليغ أحكام الله، لا يأمر إلا بما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا ينهى إلا عما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأعظم ما أمر الله به ورسوله توحيد الله، وإفراده بالعبادة، ومنها الحكم والتشريع، وأعظم ما نهى الله عنه ورسولهالشرك، ومنه التحاكم إلى الديمقراطية وقوانينها وبرلماناتها، وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما كتاب النبيإلى هرقل ولفظه "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}" أخرجه البخاري ومسلم، وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله {ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله} قال: "لا يطيع بعضنا بعضا في معصية الله" وهي كقوله تعالى: {ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً من دُونِ ٱللَّهِ}، وقد كانوا أربابا لهم حين اتخذوهم مشرعين، يحلون لهم الحرام ويحرمون عليهم الحلال، فهذا هو دأب اليهود والنصارى من القديم إلى يومنا هذا أن يتخذ بعضهم بعضا أربابا مشرعين من دون الله، وإن اختلفت المسميات والصور، وهذا من الشرك الذي دعا رسول اللههرقل عظيم الروم لتركه، والواجب على حملة العلم الشرعي أن يقتدوا بنبيهموينكروا شرك الديمقراطية,ويدعوا عظيم الروم في زماننا إلى تركه، ولكن انعكس الأمر عند بعض المنتسبين للعلم فاستجابوا لفتنة الديمقراطية التي يروج لها ويدعوا لها"عظيم الروم" وحلفاؤه.فهذا أحد الأمثلة الكثيرة على خلط الحق بالباطل، وما قد شاب السياسة الشرعية، وخلط بها من السياسات الجائرة التي أخذت من الأنظمة الكفرية كالديمقراطية وغيرها ثم نسبت إلى السياسة الشرعية كذبا وزورا.ولهذا فالواجب على أهل العلم أن يبينوا السياسة الشرعية، وأن يميزوا بينها وبين ما خلط بها من الباطل ويحذروا منه، وأن يعتنوا بالكتابة الجادة في السياسة الشرعية، وأن يدرسوها في حلق العلم كغيرها من العلوم الشرعية.و هذا الكتاب قد كتب لطلبة العلم الصادقين الجادين سعيهم لإقامة دين الله في الأرض ،وقد تضمن قواعد كلية وأصولا وأحكاما عامة في السياسة الشرعية مع التفصيل في عدد من المواضع، فما كان فيه من حق فهو من الله تعالى وحده، وما كان فيه من خطأ مما يخالف الكتاب والسنة فأنا راجع عنه في دنياي وبعد وفاتي.كتبهأ. بلهول نسيم