الدعوى المباشرة في القانون المدني - دراسة مقارنة

حرص المشرع المدني على تنظيم العلاقات القانونية وما ينتج عنها من حقوق والتزامات، وبمقتضاها يكون الشخص دائناً، أو مديناً تجاه الآخرين حيث اقتضت الضرورة وجود قواعد تنظم العلاقات القانونية من أجل التوفيق بين المصالح المتعارضة، وقد قرر المشرع وسائل كثيرة لحماية الحقوق والالتزامات، ومن أهم هذه الوسائل الدعوى، والتي تعتبر سمةً أساسية من سمات حماية الحقوق في القانون بشكل عام، والقانون المدني بشكل خاص، ففي مقابل كل حق يقرره القانون توجد دعوى تحميه، وإن استعمال هذه الدعوى مرهون بتوافر شروطها القانونية، والتي من أهمها وجود علاقة قانونية متنازع عليها بين طرفي الدعوى، ولكن في بعض الأحيان يخرج المشرع عن هذا الأصل العام ويقرر الدعوى للدائن تجاه الغير والذي لا تربطه أي علاقة قانونية سابقة بهذا الدائن سوى أنه يكون في ذمته حق لمدين هذا الدائن. ومن هذه الدعاوى ما يسمى بالدعوى المباشرة التي قررها المشرع في حالات خاصة ومحددة ــ أي في العلاقات القانونية غير المباشرة بين الأفراد ــ والتي يمارسها الدائن تجاه مدين مدينه للمطالبة بما ترتب من حق له في ذمة مدينه المباشر، والمتحقق في ذمة مدين المدين. والدعوى المباشرة تبدو وثيقة الصلة بتنفيذ الالتزام، فهي تعتبر من الوسائل التي منحها القانون للدائن في سبيل جبر المدين على تنفيذ التزاماته، لكنها ليست وسيلة متاحة لكل دائن، بل إنها تمنح للدائن الذي يوجد بين حقه، وحق مدينه تجاه الغير صلةً وارتباطاً وثيقاً بشرط وجود نص قانوني يجيزها ويحكمها. وهناك اختلاف واضح بشأن هذه الدعوى سواءً بين تشريعات البلدان المختلفة، أو بين الفقه والقضاء في تلك البلدان، كونها تعد استثناءً عن القواعد العامة لمبدأ الأثر النسبي للعقد ولمبدأ المساواة بين الدائنين، ففي ما يتعلق باختلاف التشريعات كانت تتمثل في الأخذ أو عدم الأخذ بهذه الدعوى، إذ إن بعض القوانين وفي مقدمتها القانون الفرنسي أخذت بالدعوى المباشرة منذ القرن التاسع عشر، أما القوانين العربية فقد أخذت بها منذ منتصف القرن العشرين(1). وبعد ذلك الوقت اتجه اختلاف تلك القوانين حول تطبيقات الدعوى المباشرة، وذلك لعدم وجود نظرية عامة لها في تلك القوانين، حيث اقتصرت على حالات وتطبيقات محددة، الأمر الذي يدعونا للتساؤل عن مدى التوافق بين التشريعات العربية فيما يتعلق بالنص على الدعوى المباشرة؟ وما هو موقف المشرع والقضاء الأردني من هذه الدعوى؟ وما هي الحالات والتطبيقات التي تناولها المشرع الأردني؟ وما هي الحالات التي لم يتعرض لها مقارنةً مع التشريعات العربية الأخرى، كالتشريع المصري، والتشريع العراقي، والتي كانت محلاً للمقارنة في هذه الأطروحة؟ وبالنسبة لاختلاف الفقه والقضاء فقد كان منصباً على إيجاد تكييف قانوني ينسجم مع طبيعتها، وأهدافها من أجل محاولة وضع نظرية عامة لها، وهذا يدعو للتساؤل عن النظريات والآراء الفقهية والتي قيلت منذ نشأة الدعوى المباشرة؟ وما هي النظريات الحديثة التي حاولت تأصيل الطبيعة القانونية لتلك الدعوى بعد تطورها، وكثرة ممارستها فيما يتعلق بتطبيقاتها التي أصبحت تمس جوانب حيوية ومتعددة في العصر الحديث؟ والواقع بأن الهدف الحقيقي الذي يسعى إليه الدائن عند استعماله الدعوى المباشرة أو أي دعوى عند استعماله لحقوق مدينه، هو الحصول على حقه كاملاً من ثمرة هذا الاستعمال، لذلك فإن الدعوى المباشرة تمنح الدائن رافعها مزايا كثيرة تجعله في مركز متميز عن باقي الدائنين الآخرين، بالإضافة أنها تمنحه حق الاستئثار بنتائج وثمار تلك الدعوى وحده دون أن يتعرض لمزاحمة ومنافسة سائر الدائنين الآخرين. مما يدعونا للتساؤل عن خصائص تلك الدعوى؟ وما هي شروط ممارستها؟ وما هي آثارها بالنسبة للدائن وللمدين وبالنسبة لمدين المدين؟ وإذا كان الدائن رافع الدعوى المباشرة يستأثر ثمارها؟ فكيف يتحقق هذا الاستئثار؟ وما هو مدى حق مدين المدين في الاحتجاج بالدفوع اللاحقة والسابقة على ممارسة الدعوى المباشرة؟ وبناءً على ما تقدم سيتم الإجابة على جميع هذه التساؤلات المتعلقة بالدعوى المباشرة، وأحكامها بشكل عام، وحالاتها وتطبيقاتها في القانون الأردني بشكل خاص من خلال هذا الكتاب بالتفصيل. وندعو الله ــ عز وجل ــ أن يكون قد وفقنا فيما نسعى إليه، وحسبنا إن نسينا أو أخطأنا فإن الكمال لله وحده.