تولد عن انهيار الأمبرطورية العثمانية والحرب العالمية الأولى تصفية "المسألة الشرقية" لصالح الدولتين المنتصرتين: بريطانيا وفرنسا، اللتين أقامتا نظاماً دولياً مكن لهما من ممارسة حرية تصرف شبه مطلقة في كافة أرجاء المعمورة.منذ ذلك الحين أضحى العالم العربي أسير اللعبة الدولية بحيث انعكس ذلك على الجغرافيا السياسية للدول العربية الناشئة...
قراءة الكل
تولد عن انهيار الأمبرطورية العثمانية والحرب العالمية الأولى تصفية "المسألة الشرقية" لصالح الدولتين المنتصرتين: بريطانيا وفرنسا، اللتين أقامتا نظاماً دولياً مكن لهما من ممارسة حرية تصرف شبه مطلقة في كافة أرجاء المعمورة.منذ ذلك الحين أضحى العالم العربي أسير اللعبة الدولية بحيث انعكس ذلك على الجغرافيا السياسية للدول العربية الناشئة وطبيعة أنظمة الحكم الوليدة، وهي دول وأنظمة لم تستطع الفكاك من أثر الهيمنة الغربية خلال مسارها الطويل ولا الخروج على دائرة التبعية المفرعة لمراكز القرار الدولي.ولم تأت الحرب العالمية الثانية بجديد لصالح العالم العربين فقد تغير اللاعبون الدوليون (حل الأميركيون والسوفيات محل اللاعبين التقليديين) واستمر التدخل الدولي في تحديد أنماط سلوك الدول والأنظمة التي لا يمكن تفسير أوضاعها الداخلية ومصائرها دون فهم التشابك والتعقيد بين السياسات الإقليمية والدولية.في هذا الكتاب يركز هنري لورنس اهتمامه على المشرق العربي، قلب العالم العربي ومركز الشرق الأوسط، الذي يشمل الدول العربية الآسيوية ومصر. ويغطي مجال بحثه، بعد استعراض تاريخي للقرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، حقبة زمنية (ما بين 1945-1990) شهدت الوقائع والأحداث الرئيسية في تاريخ العرب المعاصر: نشأة الدول العربية و"جامعتها"، اصطفاء السلالات الحاكمة، إقامة الغرب للكيان الصهيوني، الحرب العربية الإسرائيلية الأولى، الانقلابات العسكرية، ثورة 23 يوليو وعبد الناصر، حرب السويس، الوحدة السورية-المصرية، ثورة تموز في العراق، الانفصال، الصراع البعثي -النصاري والسعودي- المصري، حرب اليمن، الصراعات الحدودية، في شبه الجزيرة العربية وخارجها، تصدر الأقليات الطائفية لصدارة المسرح السياسي، حرب الأيام الستة، أحداث أيلول، غياب عبد الناصر، حرب أكتوبر، انفجار الأزمة اللبنانية المزمنة، زيارة السادات للقدس، اتفاقيات كامب ديفيد، الحرب العراقية-الإيرانية، الاجتياح الإسرائيلي للبنان، حرب المخيمات، نشأة التكتلات الإقليمية العربية، الانتفاضة والمفاوضات الأميركية-الفلسطينية ثم أزمة الخليج الأخيرة.وإذا يتيح الكتاب للقارئ إطلالة معمقة على فوضى التاريخ وتناقضاته الظاهرة إلا أنه يضفي عليه منطقاً يبدو ضرورياً لفهم اللحظة الراهنة التي يمر بها المشرق العربي: المسرح الجغرافي-السياسي للعبة كبرى ما فتئت تستبعد اللاعبين الصغار وتستهلكهم وتقذف بهم بعيداً خارج الخشبة التي احتلها مؤخراً العملاق الأميركي بمفرده.