هل يمكننا التدخل في عادات الناس الكلامية والتحكم في اختيارهم للمستوى اللغوي الذي يستعملونه؟ وهو سؤال منهجي خلافي. هل كان العرب أصلاً يتكلمون الفصحى في شؤونهم اليومية؟ وهذا سؤال تاريخي خلافي، أيضاً. هل يمثل التحدث بالفصحى "المعربة" قضية ذات أولوية ونحن نرى الضعف مستشرياً في التعليم العام حتى إن الفصحى غائبة -على مستوى الجامعة- لد...
قراءة الكل
هل يمكننا التدخل في عادات الناس الكلامية والتحكم في اختيارهم للمستوى اللغوي الذي يستعملونه؟ وهو سؤال منهجي خلافي. هل كان العرب أصلاً يتكلمون الفصحى في شؤونهم اليومية؟ وهذا سؤال تاريخي خلافي، أيضاً. هل يمثل التحدث بالفصحى "المعربة" قضية ذات أولوية ونحن نرى الضعف مستشرياً في التعليم العام حتى إن الفصحى غائبة -على مستوى الجامعة- لدى قراءة الفصحى ولدى محاولة الكتابة؟ وهو سؤال منهجي خلافي كذلك. هل يمكننا أن نبدأ الناشئة بالفصحى من أول؟ وهو سؤال يتعلق بالأبوين ومدى استعدادهما لمخاطبة أطفالهما بالفصحى، وهو يتعلق بالأمية، والمحيط الاجتماعي، ووسائل الإعلام. وهو مسؤولية تتجاوز اللغوي إلى المسؤولين في المؤسسات ذات العلاقة. هل يستحق الأمر هذا العناء حتى نتكلف له إجراءات شاملة ثابتة تتبناها التشريعات وتحمل السلطة عبء تنفيذها؟ وهذا سؤال يتعلق بالازدواجية والخلاف في تقدير آثارها.إجابات لهذه التساؤلات هو ما سيجده القارئ في هذا الكتاب حيث قام برد القضية المطروحة إلى إطارها التاريخي، فنظر في النظام اللغوي للعربية كيف تشكل، وكيف انتظم لهجات مختلفة عند وضعه ووضعه في الصور الأولى للإسلام، وكيف كان نزول القرآن بالعربية على سبعة أحرف عاملاً رئيسياً في تأسيس العربية المشتركة الجامعة التي تسمح بهامش من التباين رخصة وتوسيعاً.كما وتوقف الكتاب عند المقولة الخلافية والتي دارت حول حال "العربية" قبيل ظهور الإسلام وفي الصدر الأول منه، هل كانت لهجات متقاربة تلتقي على قدر كبير مشترك يهيئ لأبنائها تفاهماً متبادلاً أم كان هناك مستويان: لغة مشتركة تستعمل في المواقف الرسمية والثقافية، ولهجة محكية محلية تستعمل في الشؤون اليومية؟ ثم انتقل إلى تتبع عوامل الانفصام الذي أدى إلى ظهور الازدواجية ونشأة العاميات في الأمصار الإسلامية.وتوقف إلى مستويات العربية في العصر الحديث، واستقرأ مظاهر من اقتسامها للوظائف والمواقع، واتجاهات التفاعل بين الفصحى والعاميات في هذا التيار العريض.ثم تناول بالدرس زمرة من العوامل المتفاعلة بمسألة التحول تفاعلاً مباشراً، فعرض لدور البحث اللغوي وخاصة درس اللهجات، ودور التعليم المنهجي وخاصة دروس التعبير الشفوي، وموقف الفنون الأدبية وخاصة الحوار القصصي والمسرحي، ووسائل الإعلام وما تعقبه من تلقائية الاكتساب، وألمم في إلماعات مجملة، بموقف العقائد الفكرية.وتوقف قليلاً، عند هذه المرحلة من مراحل البحث، يرصد مدى التحول المتحصل من تفاعل هذه العوامل، ويتبين مظاهره في تقديرات الباحثين المحدثين.ثم ناقش الشبهات والتحفظات المقدرة والمقررة مما يكتنف هذه القضية، محاولاً أن يصوغ مرافعة كافية في تسويغ التحول واعتباره بنداً في خطة التنمية اللغوية، وفرعاً في خطة التنمية الشاملة.ولم يكن بد من أن يعرض هنا لأطروحة "القرار السياسي" ودوره في القضية. ولذلك حشد أمثلة متنوعة متراسلة من التدابير الإجرائية التي يمكن أن تتخذ في إطار "قرار" التحول, وهي أمثلة يفضي كل منها إلى بحث مستقل، وحوار مستأنف في سياق المسيرة نحو التحول.