نبذة النيل والفرات:في أواخر القرن الخامس الهجري، الحادي عشر ميلادي، انطلقت الحملات الصليبية من الغرب الأوروبي المستيقظ حديثاً إلى الشرق الإسلامي المترهل بالترف والإتساع والتناحر والدويلات المتعددة.خرج الغرب عن طور القرية والجهل والفقر والخصومات والنزاعات الصغيرة، وخطا النظام الإقطاعي الفيدرالي خطواته الأولى واستيقظ لتخرج من صوفت...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:في أواخر القرن الخامس الهجري، الحادي عشر ميلادي، انطلقت الحملات الصليبية من الغرب الأوروبي المستيقظ حديثاً إلى الشرق الإسلامي المترهل بالترف والإتساع والتناحر والدويلات المتعددة.خرج الغرب عن طور القرية والجهل والفقر والخصومات والنزاعات الصغيرة، وخطا النظام الإقطاعي الفيدرالي خطواته الأولى واستيقظ لتخرج من صوفته طبقة الفرسان تؤازرهم طبقة الكهان، مما ألهب الجماهير حماسة، رفعت شعار الدين وحملت في طياتها أحلام الكثيرين.أخبار ألف ليلة وليلة تثير حماسة الغرب وتفتح أمام المغامرين أبواب المجد والثروة والسلطة؛ كانت الخلافة العباسية تحتضر في ذلك الوقت، لم يبق منها إلا أسمها ولا تسيطر على الرغم من إتساع رفعتها إلا على بغداد العاصمة ومساحة قليلة من جوارها.الخليفة أسير القادة النافذين، وعندما يقف ليمارس حقه يطاح به ويخلفه خليفة صغير وفي الوقت ذاته وفي آسيا الصغرى، يعتري الإمبراطورية البيزنطية، الخصم التاريخي للدولة العباسية، مرض الشيخوخة ذاته، والأسرة الإمبراطورية التي تعي ما يحاك لها ولا تصدق أن نهايتها قد اقتربت وعلى يد من يفترق أنهم قدموا من الغرب لمؤازتها في حروب إنقاذ الديار المقدسة في فلسطين، ولإعادة سوريا إلى أحضان جدهم هرقل من جديد.في تلك الظروف الدقيقة، نشأت مملكة قبرص اللاتينية، في ظروف إستثنائية وعصر غير عادي اعترته المتغيرات والتحولات شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، وهذا نشأت مملكة قبرص اللاتينية في وقت كان الشرق الأقصى يشهد هو الآخر تحولات جذرية ليقذق بعد أقل من مئة سنة حممه وحجافلة بإتجاه العالم القديم، فيدمر الممالك ويجتاح الحضارات يطفئ حذوة مشاريع ويفتح الطرق أمام مشاريع أخرى.نشأت في الشرق هذه الدولة اللاتينية الجديدة، مملكة قبرص، التي هي موضوع هذا البحث على يدبارون فرنسي، ملك القدس بسرعة وخسرها بسرعة، قاد جيش الأفرنج في حطين، وخسر ملكة في بيت المقدس وكل فلسطين، أسره صلاح الدين ثم أعتقه أملاً أن يستفيد منه بعد ذلك لوضع حد لمآس الشعوب وإيقاف الحروب.اشترى البارون حي دولويزينا، جزيرة قبرص من الملك الإنكليزي ريتشارد قلب الأسد سنة 588هــ/ 1192م وانطلقت مملكة قبرص اللاتينية بعده وعلى يد أخيه عموري، واستمرت تحت حكم أسرتهما حتى سنة 892هــ/ 1489م حين ضمتها جمهورية البندقية إلى مستعمراتها.من هنا يمكن القول بأن الأهداف البعيدة لهذا البحث هو إطلاع شريحة واسعة من القراء على بحث متكامل عن قبرص اللاتينية، وليس من خلال بضعة كتب مترجمة لمؤرخين غربيين، ولفت الإنتباه إلى أهمية جزيرة قبرص الأرثوذكسية الإنتماء، الغربية التوجه، وهي بقعة إستراتيجية في قلب العالمين العربي والإسلامي، وتصويب حقائق تاريخية وتوقيعها بحيث تتجرد من تعصب بعض المؤرخين الغربيين ومعاداتهم لكل ما هو شرقي أو عربي أو مسلم والإثبات بالبراهين أن أعداء قبرص اللاتينية لم يكونوا دوماً من العرب أو المسلمين، بل هي من الفرنج والأوروبيين.وأما الأهداف الأكاديمية التي يتوخاها الباحث من عمله البحثي هذا فهي تبرز من خلال إجابة هذا البحث في ثناياه البحثية عن هذه التساؤلات، هل كانت هذه المملكة صدفة تاريخية؟ أم كانت سياسية ومنهجاً؟ وهل دامت ثلاثة قرون إلا قليلاً عبثاً ودون أن تترك أثراً؟ أم أن آثارها وعبرها لا تزال ماثلة إلى الآن في الأذهان؟ ماذا كان دورها الذي رسم لها؟ وهل أدت هذا الدور بنجاح؟ هل كانت عدداً دائماً ولماذا؟ هل تخلل تاريخها فترات من التعاون والتفهم؟ ما هي العوامل التي أدت إلى إستمرارها درماً من الزمن؟ وما هي الأسباب التي جعلت تغيب وكأن ماء شرقي البحر المتوسطة غسلت كل شيء وأعادت الجزيرة إلى أهلها الأغريق؟ أشكاليات يطرحها الباحث كما هي بحاجة إلى إجابات شافية، وقضايا يجب أن تُسحب طرفها مجدداً من عمق لتطفوا على سطح الحاضر لفهم أسباب بعض القرارات المصيرية التي اتخذت في حينه فادت إلى زوال ملوك وممالك.تلك هي بعض التساؤلات من ضمن إستفهامات عديدة حاول الباحث التقصي عنها، وبحث دوافعها وظروفها على أمل إماطة اللثام عن حقائق بعضها معروف؟ وكثير منها ما كان بحاجة إلى سبرٍ وتحقيقٍ وتدقيقٍ.