تحاول هذه الدراسة النهوض بتأصيل "ظاهرة الانتظار" في المسرح النثري المصري، حتى عام 1973، وهي تؤكد-ابتداءً-تاريخية الظاهرة، عالمياً، بوصفها ظاهرة الإنسان، وسؤاله الدائم، وانشغاله المستمر، وهاجسه المحوري، في كل زمان ومكان، لكن في سياق تاريخي/ثقافي/اجتماعي/خاص، يمنح الظاهرة تعدداً وخصوصية غنيين، بين مختلف ثقافات المجتمعات، في كل الع...
قراءة الكل
تحاول هذه الدراسة النهوض بتأصيل "ظاهرة الانتظار" في المسرح النثري المصري، حتى عام 1973، وهي تؤكد-ابتداءً-تاريخية الظاهرة، عالمياً، بوصفها ظاهرة الإنسان، وسؤاله الدائم، وانشغاله المستمر، وهاجسه المحوري، في كل زمان ومكان، لكن في سياق تاريخي/ثقافي/اجتماعي/خاص، يمنح الظاهرة تعدداً وخصوصية غنيين، بين مختلف ثقافات المجتمعات، في كل العصور، ومن ثم، تنفى الدراسة احتكار "الانتظار" أو الاستئثار به، أو اختزاله لصالح الثقافة الأوروبية، بدعوى أسبقية تجسيده إبداعياً، خاصة الإبداع المسرحي، بينما تؤكد الدراسة أسبقية وجوده في الثقافة المصرية، منذ فجر التاريخ، حيث تنطلق الدراسة نحو تأكيد تفرد "ظاهرة الانتظار"، وعمق تجذرها، وأصالة وجودها، في الوجدان الجمعى المصري، بحكم تميز وخصوصية الديموجرافيا المصرية على ضفاف النيل، أو بحكم عبقرية المكان المكتنز بالبشر والتاريخ والحضارة والأحداث. في هذه المحاولة التأصيلية الطموح يرصد الدكتور محمد عبد الله حسين، نظرياً في الجزء الأول من الدراسة، سيرورة تشكل وتطور "ظاهرة الانتظار"، لدى الإنسان المصري، منذ وعيها لباكر، محدداً تأثير المكان-بكل ما ينطوي عليه-في صياغة ذهنيته، وفي تشكيل منظومة عاداته وتقاليده ومعتقداته، وفي رؤاه الخاصة للعالم، على نحو يفرق "الانتظار" في الثقافة المصرية، عن نظيره في الثقافة الأوروبية، وفي الجزء الثاني، يطبق فرضياته النظرية على الدراما المصرية منذ أعمال يعقوب صنوع، وحنى غداة نكسة العام السابع والستين، والتي انهارت-بفعل هزتها العنيفة المباغتة-كل علامات التسليم والوثوقية، وكل صور الإجماع على الانتصار الثوري، لتتصاعد "ظاهرة الانتظار الجماعي" لرد الهزيمة. ومن اللافت، أن الباحث يستبعد كثيراً من الأعمال التي أعقبت صنوع، باعتبارها "غير مصرية" تماماً، مما يعطي خصوصية لتأصيل حقيقي، قائم على أساس وطني. وقد أسفرت محاولة رصد الظاهرة عن تحديد شكول متعددة للانتظار، تختلف باختلاف القضايا المطروحة داخل النص المسرحي، واختلاف تطورها إبداعياً، تبعاً للمتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والتي -بدورها- تحدد إيديولوجية الكاتب، ومواقفه تجاه هذه المتغيرات كافة، وتختزل الدراسة هذا التعدد في ثلاثة شكول أساسية، عبر ثلاثة فصول، اجتماعي، وسياسي، وتراثي،وتتوزع الأعمال المسرحية، التي تحللها الدراسة، حسب انتمائها إلى هذه الشكول المحورية، إنها خطوة واسعة نحو تأصيل جاد لفنوننا الوطنية، بانتظار أن تتمثلها في المستقبل خطوات تاليات.